منذ ساعات

الملف الصحفي

أبعاد انضمام المملكة للاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي

جريدة الرياض الأربعاء 24صَفر 1428هـ - 14مارس 2007م - العدد 14142

تعتبر دولة فاعلة وركيزة أساسية في ترسيخ أسس التعاون والتضامن في مواجهة الإرهاب
أبعاد انضمام المملكة للاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي

نيويورك - د. عبدالله الانصاري
في اطار جهود مكافحة الارهاب قامت المملكة في 26ديسمبر من العام الماضي بالتوقيع على الاتفاقية الدولية لقمع اعمال الارهاب النووي والتي اقرتها الجمعية العامة للامام المتحدة بالاجماع بتاريخ 13ابريل 2005م. وكانت الجمعية العامة قد فتحت الباب للتوقيع على هذه الاتفاقية في 14سبتمبر 2005م منهية بذلك سبع سنوات من المفاوضات الشاقة حولها. وكانت روسيا قد تقدمت بمشروع الاتفاقية في عام 1997م عندما كانت تخشى موسكو من سقوط اسلحة الدمار الشامل، من حقبة الحرب الباردة السابقة، في ايدي الارهابيين. وبقيت الاتفاقية في اروقة الجمعية العامة لعدة سنوات رهينة عدد من التعديلات المقدمة من الولايات المتحدة، وباكستان وكوبا وايران والتي لم يتم تبني احدها. وقد كان للدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وعلى رأسها المملكة، قدم السبق في محاولة ازالة العقبات التي تعترض تلك الاتفاقية. وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بعد مضي ثلاثين يوما من التوقيع والمصادقة عليها من قبل 22دولة (مواد 24، 25). وتعد الاتفاقية الدولية لقمع اعمال الارهاب النووي الاتفاقية الثالثة عشرة التي تتبناها الامم المتحدة لمكافحة الارهاب، والاولى التي يتبناها المجتمع الدولي منذ هجمات 11سبتمبر 2001م، والاولى دوليا لغرض منع اي عمل ارهابي بأسلحة دمار شامل. وقد انضمت المملكة الى تسع من هذه الاتفاقيات وتدرس حاليا الانضمام لما تبقى منها. أهم بنود الاتفاقية
تعتبر الاتفاقية الاداة القانونية الدولية الاولى التي تجرم الارهاب النووي. فاستعمال اسلحة الدمار الشامل او المواد المشعة او النووية هو هدف للارهابيين بغرض احداث اضرار بليغة وتأثير نفسي هائل يؤدي الى زعزعة الاستقرار والامن الدولي.
لذا نصت الاتفاقية على عدة جرائم لم تكن موصوفة في القانون الدولي من قبل. فقد نصت على تجريم كل من يقوم بصورة غير مشروعة وعن عمد بحيازة مادة مشعة او صنع او حيازة جهاز او استخدام اي مادة مشعة او جهاز مشع بأية طريقة، او استخدام مرفق نووي او احداث اضرار به بطريقة تؤدي الى اطلاق مادة مشعة او تهدد بانطلاقها بقصد ازهاق الارواح او التسبب في اذى بدني جسيم، او الحاق ضرر ذي شأن بالممتلكات او البيئة او بقصد اكراه شخص طبيعي او اعتباري، او منظمة دولية او دولة على القيام بعمل ما او الامتناع عن القيام به.. او كل من يشرع في ارتكاب اي من تلك الجرائم او يكون شريكا فيها او ينظم او يوجه الآخرين (مادة 2). وتلزم الاتفاقية الدول الاعضاء بتشريع الانظمة والقوانين الداخلية الملائمة لتجريم الاعمال الاجرامية المنصوص عليها وفي الاتفاقية وسن العقوبات الملائمة لها (المادة 5).
وتركز الاتفاقية على تعاون الدول عن طريق سن الانظمة والقوانين واتخاذ جميع التدابير لمنع ارتكاب الجرائم المنصوص عليها داخل اقاليمها او خارجها، وتبادل المعلومات للكشف والتحقيق في هذا النوع من الجرائم، واخذ الاجراءات المناسبة (الداخلية والدولية) لحماية هذه المعلومات (مواد 7، 10). كما تشدد الاتفاقية على ضرورة: حماية المواد المشعة او النووية والمنشآت النووية (مادة 8)، وتحسين التعاون الدولي في بحث وتطوير قابلية الكشف عن المواد المشعة او النووية ومصادرتها، ومنع تهريبها، واتخاذ اجراءات امنية ملائمة لضمان حماية المواد المشعة او النووية وفقا لمعايير ومفاهيم الوقاية المقررة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعدم توفير ملجأ آمن او مصادر مادية للارهابيين لغرض الاستفادة منها في الحصول على المواد المشعة او النووية، وتطوير قابلية الرد السريع والتحقيق في حالة حدوث اي هجمات ارهابية باستخدام مواد نووية او مشعة، وسرعة التعرف عليها (مادة 18).
وترسخ الاتفاقية مبدأ التعاون في التحقيقات والاجراءات الجنائية الخاصة بأي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية (مادة 13)، ومحاكمة المشتبه بهم (مادة 11). وتمدد الاتفاقية السلطة القضائية للدولة على رعاياها في الخارج وعلى سفن او طائرات او مرافق عامة او حكومية تابعة لتلك الدولة بالخارج. وتتضمن الاتفاقية آلية لفض النزاع حول الولاية القضائية، والتي لم يمكن حلها من خلال المفاوضات، من خلال اللجوء لمحكمة العدل الدولية (مادة 23). وتوفر الاتفاقية آلية لتسليم المجرمين وفق معايير وضوابط تحترم سيادة وانظمة كل دولة. فالاتفاقية تدرج الجرائم المنصوص عليها كجرائم تستوجب تسليم المجرم وفق اي معاهدة لتسليم المجرمين نافذة بين اي من الدول الاطراف (مادة 13). كما تضمن الاتفاقية حقوق المتهم وضمان محاكمة عادلة للمشتبه بهم والذين يواجهون محاكمات او اجراءات تسليم لدول أخرى (مادة 9).
مميزات الاتفاقية
تتسم الاتفاقية باعتمادها مبدأ التعاون الدولي المشترك وابرازها وحدة المجتمع الدولي من خلال اقرارها لمبادئ دولية مشتركة كتجريم وادانة الانشطة الارهابية. وتعيد امثال هذه الاتفاقيات الثقة في مبدأ سيادة القانون الدولي. كما تساهم في تبني الانظمة المحلية للدول ذات السيادة لعدد من المبادئ التي تندرج في اطار حقوق الإنسان كتلك التي تتعلق بحقوق المتهم وحقوق المعتقلين. وينظر لهذه الاتفاقية كمقدمة او كحجر اساس لتطوير اتفاقية دولية شاملة لمكافحة الارهاب. والاتفاقية تعزز جهود الامم المتحدة في منع انتشار اسلحة الدمار الشامل ومكملة لاتفاقيات سابقة تبنتها المجموعة الدولية (كقرار مجلس الامن رقم 1540) في هذا الشأن.
ولا شك ان انضمام المملكة لهذه الاتفاقية الدولية يعزز من مكانة وسمعة المملكة دوليا، ويظهر ايمانها بالحاجة للعمل ضمن اطار المجتمع الدولي في مواجهة خطر الارهاب، واستعدادها لاتخاذ التدابير وسن الانظمة الداخلية في مواجهة هذا الخطر الدولي. اذ انه وفور التوقيع والمصادقة على الاتفاقية فإنها تحال الى السلطات المعنية داخل المملكة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تطبيق بنود الاتفاقية، كل حسب اختصاصه، لتصبح الاتفاقية جزءاً من الأنظمة المحلية للبلاد.
أضف إلى ذلك أن دمج الاتفاقية في أنظمة المملكة الداخلية سيدفع المملكة، بموجب الاتفاقية، لسن أو تطوير الأنظمة الأمنية والوقائية الحالية المتعلقة باستخدام المواد المشعة أو النووية وتقليل فرص سقوطها في أيدي الإرهابيين والتقليل من فرص وقوع الحوادث التي يمكن أن تضر بالبيئة خاصة وأن المملكة ودول الخليج عازمون على ممارسة حقهم في إنتاج الطاقة النووية والاستفادة منها للأغراض السلمية وهو الحق الذي أشارت إليه هذه الاتفاقية.. ودائماً ما تتجه الأنظار إلى المملكة كركيزة أساسية ودولة فاعلة في ترسيخ أسس التعاون والتضامن العربي في مواجهة خطر الإرهاب، وذلك عن طريق التنسيق الاستراتيجي الدائم والمستمر بينها وبين الدول العربية والإسلامية تجاه تدابير مكافحة الإرهاب الدولي.. وباعتبار المملكة ركيزة الأمن والاستقرار في المنطقة فإن انضمامها للاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي ينظر له المجتمع الدولي على أنه قدوة ونموذجاً لغيرها من الدول غير الموقعة على الاتفاقية يحثهم على سرعة الانضمام والتصديق على الاتفاقية خاصة وأن هذا النوع من الإرهاب يعتبر الأخطر على الإطلاق يلزم منه ضرورة تعاون المجتمع الدولي إقليمياً ودولياً لمواجهته.
مآخذ على الاتفاقية
وعلى الرغم من إيجابيات هذه الاتفاقية، ترى بعض الدول أن نص الاتفاقية لم يرتق لمستوى الطموحات.. فقد أزيلت عدة بنود من النص الأصلي للاتفاقية لاختلاف الدول الأعضاء عليها وحتى يتسنى تبني الاتفاقية دولياً.. وقد يؤخذ على الاتفاقية أنها لم تعالج مشروعية استعمال أو التهديد بالاستعمال غير المشروع للأسلحة النووية من قبل الدول وليس الأفراد.. كما أن الاتفاقية استثنت نشاطات القوات المسلحة لأي دولة أثناء أي نزاع مسلح وفقاً لمعايير القانون الإنساني الدولي (مادة 4).. ولم تقدم الاتفاقية أي رؤية دولية مشتركة حول تعريف الإرهاب واكتفت الاتفاقية بتقديم تعريف لجرائم الإرهاب النووي، وذلك لخلاف الدول حول إدراج مسألة إرهاب الدولة والكفاح المسلح لغرض الاستقلال ضمن تعريف الإرهاب.. وعلى الرغم من أن الاتفاقية تقر بوصاية المجتمع الدولي من خلال تقديم التقارير للأمين العام للأمم المتحدة عن المعتقلين في جرائم تدخل في نطاق الاتفاقية (مادة 19)، إلا أن الاتفاقية لم تبرز أي و لاية أو سلطة قضائية لمحكمة الجزاء الدولية فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة ضمن نطاق الاتفاقية.
وقد عالجت هذه الاتفاقية مسألة معاملة المعتقلين في الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية وأكدت تمتعهم بالحقوق والضمانات الكاملة و"المعاملة العادلة" وفقاً للقانون المحلي للدولة التي يوجد هذا الشخص في إقليمها، و"لأحكام القانون الدولي" الواجبة التطبيق، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان (مادة 12)، إلا أن الاتفاقية لم تعرف بدقة حدود "المعاملة العادلة" و"أحكام القانون الدولي الواجبة التطبيق".. إلا أنه على الرغم من هذا الغموض فإن الاتفاقية أقرت بعض الإجراءات الوقائية الخاصة بمعاملة المتعلقين كضرورة إخطار الدولة، التي يعد المشتبه به من رعاياها، على الفور مباشرة أو عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة. بهذا الاعتقال، والسماح للجنة الصليب الأحمر الدولية الاتصال بالشخص المدعى ارتكابه للجريمة وزيارته، وكذلك السماح لممثلين من الوطن الأم بزيارته، وكذلك إبلاغ المعتقل بكافة حقوقه (مادة 10).. وتعطي الاتفاقية الخيار للدولة الطرف المطلوب منها تسليم المعتقل في رفض تسليمه إذا توفرت لديها أسباب و جيهة تدعوها إلى الاعتقاد بأن طلب التسليم قد قدم بغية محاكمته، أو معاقبته بسبب العرق الذي ينتمي إليه أو بسبب دينه أو جنسيته أو أصله الإثني أو رأيه السياسي (مادة 16).. ولعل هذا يظهر امكانية توصل المجتمع الدولي إلى آلية مشتركة للتعامل مع المعتقلين في قضايا إرهابية.
ولا تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على الجرائم المرتكبة داخل الدولة الواحدة وكان المدعى ارتكابه الجرم والضحايا من رعايا تلك الدولة، إلا أن الاتفاقية سردت عدة استثناءات (بعضها مبهمة) من شأنها أن تفرض سيادة أحكام هذه الاتفاقية حتى على بعض الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية والمرتكبة داخل الدولة الواحدة (مادة 3).. كما أكدت الاتفاقية بوضوح أن بعض موادها ما زالت تنطبق على الجرائم المرتكبة داخل الدولة الواحدة، وخاصة تلك البنود المتعلقة بحقوق المتعلقين وتمتعهم بمحاكمة عادلة.
وأخيراً، فإنه من غير الوارد تطبيق مواد الاتفاقية من قبل بعض الدول التي تقدم دعماً للمنظمات الإرهابية، لأن الإرهاب النووي يعد جزءاً من استراتيجية هذه الدول لزعزة الأمن وشن الحروب على الدول الأخرى. فليس من الحكمة النظر إلى هذه الاتفاقية على أنها سوف تطبق من جميع أعضاء المجتمع الدولي، أو أن الدول الداعمة للإرهاب سوف تقلص من دعمها للإرهاب بمجرد سريان بنود هذه الاتفاقية.
لاشك في أهمية هذه الاتفاقية في تعزيز التعاون الدولي واتخاذ التدابير الفعالة والعملية لمنع هذا النوع من الأعمال الإرهابية ومحاكمة مرتكبيها ومعاقبتهم. بل إن المأمول أن يوفر النجاح في تبني هذه الاتفاقية زخماً للمناقشات بشأن تبني اتفاقية دولية شاملة لمكافحة الإرهاب والتي تعتمد بالدرجة الأولى على توفر الإرادة السياسية لكل دولة. فعدم القابلية للتغلب على الخلافات السياسية والأيديولوجية ينعكس سلباً على مصالح كامل المجموعة الدولية ويحد من قدرة المجتمع الدولي على مواجهة الإرهاب.

الموافقة على الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي وبنودها
موافقة سعودية على اتفاقية مكافحة الإرهاب
50 دولة و10 منظمات دولية تلتقي في الرياض السبت لمكافحة الإرهاب
الأمير عبد الله يفتتح «اليوم» أعمال المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب
تعديل بنود في اتفاقية مكافحة الإرهاب ومصادقة عربية قريبة على اتفاقية مكافحة الفساد
بحث تقرير عن دراسة الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب
إدراج جرائم الإشادة والتحريض على الإرهاب في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب