منذ ساعات

الملف الصحفي

هل أعضاء الشورى يشاركون في الحكم أم في الرأي يا شيخ صالح ...؟؟

جريدة الوطن الاثنين 28 جمادى الأولى 1429هـ الموافق 2 يونيو 2008م العدد (2803) السنة الثامنة

هل أعضاء الشورى يشاركون في الحكم أم في الرأي يا شيخ صالح ...؟؟

عبدالله ناصر الفوزان
حين يتحدث بعض أصحاب الفضيلة المشايخ عندنا عن الشورى حديثاً عاماً فإنهم يخلعون عليها أعظم الحلل ويبرزونها في مظهر عظيم ويعتبرونها النظام السياسي الأمثل والأكمل، ويضعونها ربما في مرتبة أسمى وأعظم من الديموقراطية، أما حين يتحدثون عن واقع الشورى المطبق فإن الأمر يختلف إذ يكون كلامهم مبهماً حذر.
هذا الانطباع كان في ذهني عندما شاهدت عنواناً في إحدى الصحف المحلية يخبر عن حديث ألقاه فضيلة رئيس مجلس الشورى الشيخ صالح بن حميد على طلبة جامعة أم القرى عن الشورى في الأسبوع الماضي، ولذلك فقد شدني الموضوع وشرعت في قراءته على الفور وبأقصى ما أستطيع من العناية ليقيني أن الشيخ صالح لابد أن يتحدث عن واقع الشورى عندنا لكونه رئيس المجلس، وكنت تواقاً لمعرفة ما سيقول.
وكنت أظن أن الشيخ صالح سيضع نقاطاً كثيرة على الحروف لكن خاب ظني، فقد وجدته يتحدث عن عموميات وتاريخ وقيم وأخلاق ومبادئ إسلامية... ولا يتحدث عما تمثله الشورى عندنا في الواقع السياسي، فهو على سبيل المثال يقول ((إن نظام الحكم في المملكة يستمد مبادئه وجوهره من الشريعة الإسلامية، فالحكم والحاكم في هذه البلاد مقيدان بأحكام هذه الشريعة الإسلامية الغراء)) ثم يقول ((إن الشورى مبدأ من مبادئ الشريعة وأصل من أصول الحكم في الإسلام، فقد أكد عليه النظام الأساسي للحكم في مادته التاسعة ومادته الثامنة والستين)) وبعد أن ذكر المادتين كما نقلت الصحف قال ((إن الشورى تستمد جذورها من أصل الدين وجذوره وهي من أهم المبادئ الشرعية التي يقوم عليها النظام السياسي في الإسلام بل إن بعض الباحثين يقول إن الشورى هي النظام السياسي ذاته)) وقال ((إن الشورى مأمور بها شرعاً ومحكومة بالشرع وتربط بين صلاح الدين والدنيا وسعادة الدنيا والآخرة أما الديموقراطية فيقتصر نظرها في حدود صلاح دنيا الإنسان وبالمقاييس الدنيوية بل بالمادية فقط)) واستمر في المقارنة بين الديموقراطية والشورى فأعلى من شأن الشورى وقال إنها مأمور بها شرعاً وإن الحقوق والواجبات فيها ثابتة غير خاضعة لتقلبات الميول والرغبات ومن ثم فهي تضبط تصرفات الأمة وتحكم رغباتها بينما لا توجد مثل هذه القيم الثابتة في القيم الديموقراطية بل هي قيم نسبية تتحكم فيها رغبات وميول الأكثرية ومتغيرات الظروف وتقلبات الزمن.
ويستمر الدكتور صالح يتحدث على هذا الشكل الذي لا تخرج منه بما يثريك عن واقع الشورى وكيفيتها في الإسلام، فهو إما أنه يتحدث عن أهميتها وضرورتها في الإسلام، أو عن القيم والأحكام في الشريعة الإسلامية التي تختلف عن الشورى كآلية سياسية.
الشيخ صالح قال إن الشورى من أهم المبادئ الشرعية التي يقوم عليها النظام السياسي في الإسلام، بل قال إن بعض الباحثين يقول إن الشورى هي النظام السياسي ذاته، ونحن نعرف أن الشورى آلية سياسية، أي طريقة، والشيخ صالح هو وغيره من مشايخنا الذين يتحدثون أحياناً عن الشورى لا يوضحون الكيفية التي عليها تلك الآلية مع أن هذا هو المهم، أما تلك القيم والمبادئ الإسلامية التي تحدث عنها فهي أمر مختلف عن تلك الآلية، إذ إنها هي الأحكام في الشريعة الإسلامية التي لابد من امتثال الفرد والأمة لها مهما كان شكل الحكم سواء بالشورى أو بغيرها وسواء كان بطريقة أبي بكر أو عمر أو حتى معاوية والخلفاء الأمويين والعباسيين.
عبارة واحدة قالها الشيخ صالح تلامس الواقع الذي كنت أتطلع إلى أن يتحدث عنه ملامسة حقيقية فقد قال ((إن الشورى صورة من صور المشاركة في الحكم)) ولكنه لم يتحدث عن ماهية تلك الصورة.
ولمعرفة مقصوده من هذه العبارة فإني مضطر لإسقاطها على واقع مجلس الشورى الذي يرأسه الشيخ صالح الآن فلابد أنه يقصد أن واقع المجلس الآن أنه صورة من صور المشاركة في الحكم.
المشاركة في الحكم أو تداول السلطة وغيرها من العبارات المماثلة وهي من المصطلحات التي تستخدمها الديموقراطية للتعبير بها عن نفسها، وهي تتحقق عن طريق عدة أمور منها البرلمان المنتخب الذي يتمتع بالصلاحيات ويصدر التشريعات الملزمة لكافة الأجهزة التنفيذية بما في ذلك الوزراء ومجالسهم، وبالتأكيد فالشيخ صالح لا يقصد هذا المفهوم لأن مجلس الشورى عندنا لا يصدر قرارات ملزمة لا لمجلس الوزراء ولا لغيره وإنما يصدر كما قال الشيخ صالح نفسه في ثنايا كلامه ((دراسات واقتراحات ويقدم توصيات)) أي إنه مجلس استشاري لولي الأمر -كما عبر ويعبر بعض أعضاء مجلس الشورى أنفسهم عن طبيعة المجلس- والشيخ صالح فيما يبدو يعتبر تلك الطريقة صورة من صور المشاركة في الحكم اعتماداً على أنه اعتبر الشورى في الإسلام صورة من صور المشاركة في الحكم.
إني لا أستطيع إقناع نفسي بالموافقة على مفهوم الشيخ صالح وبالتالي لا أستطيع موافقته على أن الشورى بصورتها في ذهنه صورة من صور المشاركة في الحكم لأني لو وافقت الشيخ صالح فيما قصده فلابد أن أعتبر كل الأجهزة الاستشارية في الحكومة صور من صور المشاركة في الحكم، بل لابد أن أعتبر كل جهة بل كل فرد يقدم دراسات واقتراحات وتوصيات جزءاً من مكونات نظام الشورى (السياسي) في الإسلام وبالتالي لابد أن أعتبر ما يقوم به مشاركة في الحكم، وعلى هذا فلابد أن أعتبر - وفق هذا المفهوم - أن منهج الشورى (السياسي) موجود في كل الدول بما في ذلك الدول غير الدينية وموجود في الكيانات القبلية وفي كل مكان فيه مجموعة من البشر.
لا... يا شيخ صالح... حين نتحدث عن الشورى في الإسلام فنحن نتحدث عن منهج سياسي، أي عن طريقة لإدارة شؤون البلاد، وكيفية يتم بها تحديد المسؤوليات والمسؤولين والصلاحيات المخولة لهم، وأي حديث عن الشورى لابد أن يكون في هذا الإطار كي نعرف بالضبط ماهية الشورى في الإسلام ولتكون صورتها واضحة لنا عندما نتحدث عن الديموقراطية التي جعلتها في حديثك أقل شأناً من الشورى وأقل كفاءة لخدمة الإنسان.
أستطيع أن أفهم وأن أقتنع وأن أقول بناء على الواقع المطبق الآن وبناء على ما ذكرته في حديثك أن الشورى هي صورة من صور المشاركة في الرأي ولكن لا أستطيع أن أفهم وأقتنع وبالتالي أقول إنها صورة من صور المشاركة في الحكم وهناك فرق كبير بين الأمرين.
وأتفق مع الشيخ صالح في أن الشريعة الإسلامية أعطت (( مساحة واسعة في سياسة الحكم وإدارة شؤون الناس)) وبالتالي فإني لا أقصد من أي مما قلته أن الشورى في الإسلام كمجال اجتهادي واسع - لا تتسع لنظم تقنن المشاركة في الحكم وكيفيتها، ولكني أقصد فقط تلك الصورة الضبابية التي يقدمها لنا أصحاب الفضيلة المشايخ عندنا عن الشورى في الإسلام سواء في مجال التنظير أو التطبيق... وأشكر الشيخ صالح على طروحاته الكثيرة التي يسعدنا بها أحياناً والتي تتفق في كثير منها مع تطلعاتي وآرائي راجياً أن يتسع صدره لملاحظاتي.

نظام مجلس الشورى
النظام الأساسي للحكم
التوصيات الإضافية وعلاقتها بالتشريع
بعض قرارات اللجان الاستشارية من قبيل "بادي الرأي"
40 "عريضة" ذات علاقة بالشأن العام يتلقاها الشورى من المواطنين شهرياً
الشورى يُشرك المواطنين في نقاش موضوعاته قريباً
مجلس الشورى ليس فوق النقد
تأثير "الشورى" في تغيير قناعات الرأي العام