منذ ساعات

الملف الصحفي

الإصلاح القضائي ... وطن يولد من جديد

جريدة الوطن - الأربعاء 21 رمضان 1428هـ الموافق 3 أكتوبر 2007م العدد (2560) السنة السابعة

الإصلاح القضائي ... وطن يولد من جديد

ليلة العشرين من رمضان ستكون محطة مهمة في مسيرة الإصلاح القضائي في السعودية، حيث دُشنت في تلك الليلة، الأنظمة القضائية الجديدة المتمثلة في (نظام القضاء) و(نظام ديوان المظالم) واللذين آذنا بدخول القضاء السعودي مرحلة تطويرية جديدة، من حيث هيكلية المؤسسات القضائية، وتحديث النصوص القانونية، التي تحكمها، كما دُشن في الليلة المباركة ذاتها (مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء) بميزانية ضخمة، وأهداف طموحة، وذلك لإحداث نقلة نوعية في أداء المؤسسات القضائية.
إن المشروع يشكل خطوة إصلاحية بالغة الأهمية، من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولبنة تضاف إلى بنائه التحديثي، لمرافق الدولة (هيكلياً وتشريعياً) حيث إن القضاء يشكل الضمان الحقيقي لإرساء العدالة، وحماية مكتسبات الأفراد، وحفظ حقوقهم ويمثل في الوقت ذاته، الأرضية الطبيعية لأي حراك جدي نحو الانفتاح على المستقبل، سواءً كان على الصعيد الاقتصادي، أو الاجتماعي أو الحقوقي، فلا يمكن الحديث عن مشاريع تنموية واعدة، تستقطب رؤوس الأموال الأجنبية، وتخلق بيئة استثمارية مثالية، دون وجود مؤسسات قضائية فاعلة، قادرة على التعاطي الإيجابي مع المتغيرات الكونية، بآفاق منفتحة، ومؤسسات معاصرة وبيئة قانونية حديثة.
لقد جاء التنظيمان الجديدان بمفاهيم ومؤسسات جديدة وحديثة على المشهد القضائي في السعودية، حيث نص نظام القضاء على إنشاء 'المجلس الأعلى للقضاء' ورحلت كافة الاختصاصات الإدارية الخاصة بمرفق القضاء، والتي كانت تدار من قبل وزارة العدل في النظام السابق، إلى المجلس الأعلى للقضاء، الأمر الذي يعزز استقلالية القضاء، ويمتن الفصل بين سلطات الدولة، كما استحدثت درجة جديدة للتقاضي وهي الاستئناف، في كل من المحاكم وديوان المظالم، وأصبح التقاضي يتم على ثلاث درجات قضائية بدلاً من اثنتين حيث كان في السابق تتم المرافعة فقط أمام القاضي أو القضاة، في المرحلة الأولى، ثم يرفع الحكم لمحكمة التمييز والتي تعتبر محكمة أوراق لا تتم أمامها مرافعة بالمعنى القضائي الدقيق، وإنما تدرس القضية من قبل قضاة التمييز، ويعود الحكم إما بالتصديق عليه، أو نقضه مع ملاحظات - قد تكون موضوعية أو شكلية - ترسل لناظر القضية، دون إعطاء الخصوم الحق في الترافع أمام درجة أعلى في التقاضي، تسمع من الخصوم مباشرة، وتقبل دفوعهم، ولا ريب أن إيجاد درجة ثانية في التقاضي يعطي مساحة أوسع لتحقيق العدالة، ويعطي فرصة أكبر لأن تأخذ القضية ما تستحقه من الدراسة والتأمل. كما أن التنظيم الجديد استحدث 'المحكمة العليا' في المحاكم و'المحكمة الإدارية العليا' في ديوان المظالم حيث نقل إلى تلك المحاكم كافة الاختصاصات المنوطة لمحاكم التمييز ودوائر التدقيق وأنيط لهيئاتها العامة تقرير المبادئ القضائية الداخلة في اختصاصها القضائي، وأصبحت بمثابة محاكم النقض في الأنظمة القضائية المقارنة، ويفترض أن تكون المرجعية القضائية لتوحيد المبادئ القضائية، وتفعيل النصوص والمبادئ القانونية السارية في الدولة سواءً كانت أنظمة، أو اتفاقيات دولية، وضمان التزام القضاة بها.
وكان من أبرز الملامح لنظام ديوان المظالم الجديد، أن أعاد الديوان لاختصاصه الطبيعي كجهة قضاء إداري، تختص بنظر القضايا ذات الطبيعة الإدارية، وفق المعايير القانونية المتعارف عليها، وإعادة ولاية القضاء التجاري، للقضاء العام، الذي يعد مكانها الطبيعي وفق التراتبية القضائية، حيث إن تلك الخطوة، ستعطي الديوان فضاءً أرحب للتحرك وفق اختصاصه الأصيل، كما هو متعارف عليه في الدول التي تأخذ في القضاء المزدوج والتي من بينها القضاء السعودي، ونأمل أن ينتقل القضاة، في الدوائر التجارية إلى القضاء العام، مع انتقال اختصاص نظر القضايا التجارية إليه، حيث إنهم اختطوا منهجاً قضائياً متميزاً، ورسخوا مبادئ قضائية يمكن الاستفادة منها والبناء عليها.
ومن الإيجابيات في نظام القضاء الجديد أنه نص على إنشاء محاكم عمالية، وبالتالي أدخل اللجان العمالية التابعة لوزارة العمل، تحت مظلة القضاء بعد أن كانت من الناحية الفنية (لجان إدارية ذات اختصاص قضائي) ونأمل أن يتبعها بقية اللجان المشابهة من أجل أن تشملها الضمانات الخاصة بالمؤسسة القضائية، والتي يأتي على رأسها الحصانة القضائية.
إن النظامين الجديدين - وكما أسلفنا - يمثلان نقلة نوعية للمؤسسات القضائية، وبالتالي هما بحاجة إلى جهد متواصل، من قبل وزارة العدل لتفعيلهما بالشكل الذي يخدم سير العدالة، ويساهم في إرسائها، ويحقق أهداف مشروع الملك عبدالله للنهوض بالمؤسسات القضائية، وهذا لن يتأتى إلا بإعداد الكوادر البشرية القادرة على التعامل مع تلك النصوص القانونية، والمؤسسات المستحدثة، والأهداف الطموحة، برؤى عصرية وفكر منفتح وذلك من خلال إنشاء المؤسسات الأكاديمية المتخصصة في إعداد وتخريج موظفي المؤسسات العدلية 'من قضاة ومدعين عامين ومحامين' والعمل على تدريبهم وتأهيلهم تأهيلاً مهنياً من أجل أن يواكب القضاء الحراك المتنامي والتطورات المطردة في المجتمع والدولة لتكون ركيزة وداعماً لذلك الحراك الإيجابي.
كما نأمل أن تتبع هذين النظامين - وضمن مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير القضاء - حزمة تشريعية تكمل تلك الأنظمة، وذلك في تشريع أنظمة تحكم الخصومات القضائية من حيث الموضوع، مثل مدونة للأحوال الشخصية، وتحديث القانون التجاري، وتشريع نظام جزائي من خلال تقنين العقوبات ترسيخاً لمبدأ 'لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص' والتي أكدتها المادة الثامنة والثلاثون من النظام الأساسي للحكم والتي نصت على: 'العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو نص نظامي...' حيث إن مهمة القاضي إنما تنحصر في تطبيق القاعدة القانونية دون أن يكون له صلاحية إنشائها والتي تعد من مهام المؤسسة التشريعية.
إن النظام القضائي في السعودية بهذه النقلة النوعية قد انتقل من طور البدايات المتعثرة ليقف على قدمين راسختين صوب التحديث والإصلاح والتطوير، فالكف الذي أخذت به تنظر بعينين واثبتين إلى مستقبل واعد ينتظر هذه البلاد.. كفٌ نقشت لمساتها الإصلاحية في مدونة هذا الوطن الأشم!

* محام وكاتب سعودي
عبد الرحمن محمد اللاحم

نظام القضاء
نظام ديوان المظالم
خادم الحرمين يخصص ميزانية بسبعة آلاف مليون ريال لمشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء
مجلس الشورى والقضاء
"التدخل الخفي في القضاء"
اقتطاع أعمال السلطة القضائية من قبل اللجان الإدارية يخل باستقلال القضاء
يفترض في القضاء الحياد والاستقلالية
لماذا القضاء؟
متفائل في حضرة القضاء
أعضاء من مجلس الشورى يعترضون على المادة 31 من نظام القضاء
الشورى يحسم الأسبوع المقبل رؤيته في نظام القضاء الجديد
نظام القضاء الجديد لا يسمح بتفرد قاض واحد بالحكم
في انتظار إعلان مجلس الوزراء نظام القضاء الجديد
النظام القضائي الجديد بين يدي خادم الحرمين الشريفين
تحديث الأنظمة القضائية قريبا
ترقب صدور تفاصيل التنظيم القضائي الجديد
اقتصاديات التنظيم القضائي الجديد
تاريخ التنظيم القضائي في المملكة
مجلس أعلى للقضاء ودوائر للحقوق والمرور والتجارة والأحوال الشخصية واستقلال المعهد العالي
ضرورة دعم المجلس للوزارة لفتح 270 محكمة جديدة وتعيين 2941 قاضيا وتطوير الأداء فيها
الشورى يوصي بفتح محاكم وكتابات عدل وتوفير وظائف لقضاة تنفيذ ومعاونيهم