منذ ساعات

الملف الصحفي

لن تكتمل العدالة دون استقلال المحاماة (1 من 2)

جريدة الاقتصادية الأربعاء, 02 شعبان 1428 هـ الموافق 15/08/2007 م - العدد 5056

لن تكتمل العدالة دون استقلال المحاماة (1 من 2)

د. عبد الله مرعي بن محفوظ -
أجزم أن القرار الذي أصدره وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز بناء على المادة 112 من نظام الإجراءات الجزائية، يحمل الكثير من المضامين، في مقدمتها جدية صانع القرار وولي الأمر على تفعيل الأنظمة العدلية، بما يسهم أخيراً في تقنين وتوضيح الإجراءات الجزائية!
قرار وزير الداخلية ليس في حاجة إلى قراءة أو تحليل أو تفسير من الخبراء والاختصاصيين في شؤون القضاء والقانون، فهو يحدد بشكل صريح الجرائم الجنائية في 15 بنداً، التي يستوجب فيها التوقيف.
إذاً، لا مجال للاجتهاد أو الخطأ المتعمد، حيث أطراف معادلة الجريمة تحددت حقوقهم وردود أفعالهم، حتى الأطراف الأخرى وفي مقدمتهم محامو الدفاع، سيجدون أنفسهم أكثر انضباطاً، ما يعني أخيراً أن الأنظمة العدلية الصادرة من شأنها تحويل نظام المحاماة إلى واقع فعلي ملموس، لذلك نجد أن صدور أي نظام عدلي أو قضائي، يكرر علينا في كل مرة السؤال المطروح على الساحة المحلية في وطن مثل السعودية، هل استقلال المحاماة بات استحقاقاً حتمياً؟
في اعتقادي (المهني) أن هذا الاستحقاق حتمي، ولكن في الوقت نفسه في حاجة إلى دعم صانع القرار، وفي مقدمها أن يتضمن نظام المحاماة ولائحته التنفيذية نصاً يؤكد خصوصية مهنة المحاماة واستقلاليتها، وأهميتها في إعلاء الحقوق الأساسية للمواطنين، وفي دفع الظلم والدفاع عن الحقوق والمصالح القانونية لموكله والسعي إلى الصلح بين الخصوم وتقديم العون القانوني إلى المحتاجين.
المحامون السعوديون، وأنا أقف في الصف الأخير منهم، يطمحون إلى أن يحدث تعديل جذري يوضح بنص صريح (استقلاليته)، بما يلزم المحاكم الشرعية وبقية الأجهزة العدلية والتنفيذية بالتعامل مع (المحامين) على أنهم مكملون لدور القضاء في تحقيق العدالة شأنهم في ذلك شأن القضاة، واعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من المحكمة العدلية.
فإن كان النظام الأساسي للحكم الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم أ/9 وتاريخ 27/8/1412هـ لم يتردد في المادة 46 منه عن تأكيد استقلالية القضاء السعودي حيث ورد النص صراحهً على أن "القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاء في قضائهم" وكذلك نص نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/64 وتاريخ 14/7/1395 في المادة (1) على تأكيد وترسيخ استقلالية القضاء حيث ورد النص: "والقضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشرعية الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في القضاء".
نظام المحاماة السعودي وعلى خلاف أنظمة المحاماة في العالم بما في ذلك أنظمة المحاماة في الدول العربية والإسلامية، لم يرد فيه نص مماثل لما ورد في نظام الحكم أو نظام القضاء بل أغفل تماماً أي إشارة إلى استقلالية هذه المهنة وخصوصيتها, ناهيك عن حصانتها.
ومن البدهي أن نلاحظ في السنوات الأخيرة أن مهنة المحاماة في السعودية أصبحت ترتبط ارتباطا وثيقا بالحياة الاقتصادية والاجتماعية، لأهميتهما في الحياة العامة وفي فض النزاعات وفي تقديم الخدمة القانونية والاستشارية المتكاملة بالمصالح الحيوية للمجتمع.
لذلك حين عقدت اللجنة الوطنية للمحامين السعوديين اجتماعها السادس والثلاثين بتاريخ 12 تموز (يوليو) 2007 برئاسة نائب الرئيس جاسم بن محمد العطية، كان بغرض تفعيل نظام المحاماة وتطبيق الشروط الواجب توافرها لمن له حق الترافع أمام الجهات القضائية، ولكي تتأسس (المهنة) على مفاهيم وأسس راسخة وتكون الممارسة سليمة كان لا بد للمحامين من الإسهام في تقديم خبراتهم والإسهام في تطوير الأنظمة والتشريعات العدلية.
ومن المناسب الإشارة هنا إلى أن عدداً كبيراً من الزملاء المحامين أسهموا خلال السنوات الخمس الأخيرة على وجه الخصوص، في إثراء نظام العدالة لصالح المجتمع وفي تحقيق الرسالة السامية لدورهم، وفي مقدمهم دور الأمير بندر بن سلمان مستشار خادم الحرمين الشريفين في تطوير نظام التحكيم السعودي، والدكتور حسن بن عيسي الملا رئيس اللجنة الوطنية للمحامين في مجلس الغرف السعودية بدعم تأسيس هيئة المحامين، وعبد الله بن محمد الناصري في توثيق الأحكام ونشر الأنظمة العدلية من خلال موقع الإنترنت (محامون)، وسليمان الشايقي في إصدار وطباعة جميع الأنظمة السعودية، وعبد الرحمن اللاحم في التطوير والدفاع عن أنظمة حقوق الإنسان السعودي، ودورهم جاء مكملاً لجهود الأساتذة الكرام مثل أحمد محمد مظهر رئيس اللجنة الوطنية للمحامين سابقاً والدكتور سعود العماري.
إن وزارة العدل في شخص وزيرها ووكلائه ونوابه، مطالبون أكثر من أي وقت مضى بتتويج جهود جميع المهنيين المحامين، وبتوفير الدعم الكامل لتأسيس هيئة المحامين السعوديين، لتكون هيئة ذات شخصية اعتبارية، خصوصاً بعد أن وجه المقام السامي بتشكيل لجنة مختصة في وزارة العدل لدراسة الطلب المقدم من المحامين في هذا الخصوص.
ودور الهيئة المرتقب بأن تتولى شؤون المهنة وتتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية ويناط بها جميع السلطات والصلاحيات والمهام المتعلقة بالمحامين من حيث تنظيم المهنة وحمايتها والارتقاء بها والحفاظ على سمعتها ورعاية شؤون المحامين المعيشية في نطاق مظلة الخدمات الاجتماعية التي يتعين توافرها، وتكون الهيئة هي الجهة المنوط بها وحدها مساءلة المحامين تأديبياً عن أي مخالفات تتعلق بنظام المهنة أو سلوكياتها أو أخلاقياتها أو ممارستها، فاستقلال الهيئة يشكل الضامن الأساسي لاستقلال المحامي، وحتى تتمكن من أداء دورها يجب أن تكون ذات إرادة مستقلة يقرها النظام ويكفلها وأن تكون مجالسها التمثيلية منتخبة دون تدخل أي جهة حكومية.
إن أهمية دور المحامي في الفهم السليم لحقوقه، ووضعها في مكانها الصحيح كجزء لا يتجزأ من سلطة العدل، فالمحامي السعودي أصبح اليوم جزءاً لا يتجزأ من القضاء الشرعي، والقاضي في الوقت الحاضر يصدر حكمه بعد أن يعتمد في قراره على وقائع وحيثيات ودفوع القضية التي يقدمها المحامون الذين حضروا أمامه وقدموا الأدلة والمراجع التي تخدم القضية، ويتعاظم دور المحامين القادرين على إيصال العدالة للجميع وتحسين وتقريب العدالة، وعرض قضاياهم على القضاء بتعزيز فهم المواطنين دور النظام في المجتمع.
ختاماً، إن استقلال المحاماة كجزء من استقلال نظام القضاء، وأصبح مطلباً ملحاً كجزء من استحقاق نظام المحاماة، لإقامة العدالة وحماية فاعلة لحقوق الإنسان وحرياته، إن المحامي في أدائه مهمته وواجبه لا يخضع لغير ضميره الحر المستقل، فمهنته دعامة العدل، والعدل أساس الملك ولا عدل بغير قضاء ولا قضاء بغير محاماة.... وللحديث بقية.

نظام المحاماة
نظام القضاء
نظام التحكيم
نظام الإجراءات الجزائية
النظام الأساسي للحكم
نحو تطوير مهنة المحاماة
«العدل» تدرس إمكانية السماح للأكاديميين بمزاولة مهنة المحاماة
دور المحامين في استقلال المحاماة
توجه لإنشاء جمعية خاصة برعاية شؤون المحامين
دراسة لتحويل اللجنة الوطنية للمحامين إلى هيئة
انتخاب رئيس للجنة الوطنية للمحامين