منذ ساعات

الملف الصحفي

العود لارتكاب الجريمة يعد من الظروف المشددة للعقوبة

جريدة الاقتصادية السبت 18 جمـادى الأولى 1426 هـ 25 يونيو 2005 العدد 4275

العود لارتكاب الجريمة يعد من الظروف المشددة للعقوبة

د. إبراهيم بن عيسى العيسى
معروف عند علماء الشريعة والقانون أن العود لارتكاب الجريمة من الظروف المشددة للعقوبة، والعود بتعريف رجال القانون مصطلح قانوني على أساس أنه يطلق على حالة الشخص الذي يرتكب جريمة بعد أخرى قد حكم فيها نهائياً، ويخطئ من يطلق على ذلك تكراراً لأن التكرار هو ارتكاب الجريمة عدة مرات قبل القبض على المتهم، ومحاكمته وإصدار حكم بات نهائي عليه، وكذلك يختلف العود عن تعدد الجرائم التي ترتكب قبل القبض والحكم على الجاني كأن يسرق ويقتل ويزور.
ولقد استرعى انتباهي مثل هذا الخطأ مما جعلني أكتب مثل هذا المقال عن ظرف العود باعتباره من الظروف المشددة للعقاب.
والشريعة الإسلامية تأخذ بهذا الظرف المشدد قبل القوانين الوضعية، إذ المتفق عليه عند علماء الشريعة أن المجرم يعاقب بالعقوبة المقررة للجريمة، فإن عاد لها أمكن تشديد العقوبة، فإن اعتاد الإجرام استؤصل من الجماعة بقتله أو بكف شره عنها بالحبس المؤبد أي (تخليده في السجن)، وقد أقرت الشريعة مبدأ العود على إطلاقه ولم يفرق الفقهاء بين العود العام والعود الخاص والعود الأبدي والعود المؤقت، إذ يجوز أن يكون العود عاماً وخاصاً وأبديا ومؤقتاً حسبما يراه قاضي الموضوع محققاً للصالح العام. ويقول الشيخ عبد القادر عودة في مؤلفه ''التشريع الجنائي الإسلامي'' مقارناً بالقانون الوضعي''.. لا فرق بينهما إلا أن الشريعة لم تطبق منذ زمن طويل فجهل الناس كل شيء عنها أما القوانين الوضعية فتطبق باستمرار.. إلخ، ولعله يقصد بذلك ما هو مطبق في مصر وغيرها من الدول الأخرى التي وضعت قوانين وضعية للجرائم والعقوبات.
وفي سن القوانين الوضعية فيما يتعلق بالظروف المشددة فقد فرق بين العود وتعدد الجرائم أنه في حالة التعدد يرتكب المجرم جريمته الأخيرة قبل أن يصدر عليه حكم في جريمة سابقة عليها بعكس العود الذي يكون المجرم قد ارتكب جريمته الأخيرة بعد أن صدر عليه حكم نهائي أو أكثر ولم يرتدع، وهو دليل على أن المجرم يصر على الإجرام ويتمادى فيه مما يقتضي تشديد العقوبة حتى تعطي أثرها في ردعه وزجره عن ارتكاب الجرائم.
ومن الطبيعي أن يحصل الاختلاف عند شرّاح القوانين الوضعية فان اتفقوا بأن العود ظرف مشدد فإن بعضاً منهم يرى قصْره على العود الخاص، بمعنى ألا يعد المجرم عائداً إلا في حالة كون الجريمة الثانية من نوع الجريمة الأولى أو مماثلة لها، فإن لم يتحقق هذا الشرط فلا يعد المجرم عائداً، في حين يرى بعض الشراح أن العود عام بحيث يعد المجرم عائداً إذا ارتكب جريمة ثانية سواء كانت من نوع الجريمة الأولى أو من نوع آخر غير مماثل لها، وأصحاب هذا الرأي لا ينظرون إلى نوعية الجريمة وتحديدها بعقل واحد أو مماثل، بل ينظرون إلى أن مرتكب الجريمة لديه نزعة إجرامية آثمة لا بد من تشديد العقوبة عليه حتى يتحقق الردع له عن ارتكاب الجرائم.
كذلك الحال اختلف الشراح في مدة العود فرأى بعضهم أن يكون العود مؤبداً، حيث يعد المجرم عائداً مهما مضى من زمن على ارتكاب الجريمة الأولى، في حين يرى آخرون أن يكون العود مؤقتاً بحيث إذا مضى وقت معين - كخمس سنوات - على الجريمة الأولى فلا يعد المجرم عائداً إذا ارتكب جريمته الثانية. وهذا الخلاف سببه نفس النظرة لكل منهم فمن ينظر إلى الجرم نفسه يرى التوقيت ومن ينظر إلى مرتكب الجريمة يرى التأبيد، حيث إن مضي المدة لا يعول عليها في تخفيف العقوبة إذ إن نزعة الإجرام والشر لا تزال لدى الجاني مما يستلزم تشديد العقوبة، وأنا أؤيد أصحاب الرأي الثاني سواء من حيث الأخذ بالعود العام أو المؤبد، بخلاف أصحاب الرأي الآخر الذين يأخذون بالعود الخاص والمؤقت، ولا أريد أن أورد أمثلة لما هو مطبق في القوانين الوضعية في الدول الأخرى مثل مصر التي أخذت بمبدأ العود العام في الفقرتين الأولى والثانية في المادة التاسعة والأربعين من قانون العقوبات، وبمبدأ العود الخاص في الفقرة الثالثة من المادة ذاتها والأخذ بمبدأ العود المؤبد في الفقرة الأولى من نفس المادة، وبنظام العود المؤقت في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة المذكورة، وهذا حسب ما قرأته في الكتاب الذي أشرت إليه آنفاً، ولم أعلم ما إذا كان قد تم تعديل ذلك أم لا في الوقت الراهن وهذا الذي يجعلني أتجنب إيراد أمثلة.
وكل ما رغبت فيه هو أن أتكلم عن العود باعتباره من الظروف المشددة للعقاب وفق الإيضاح المختصر سالف الذكر ليستفيد القارئ من معرفة هذا الظرف وماهيته وعدم الخلط بينه وبين التكرار أو تعدد الجرائم التي تعد حالة وسطاً بين حالة العود وحالة الجريمة الواحدة وإن اختلفت من ناحية الطبيعة والآثار.
والله الموفق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.