منذ ساعات

الملف الصحفي

الحلقات المفقودة في النظام الاقتصادي ... هل تعيها الهيئة العامة للاستثمار؟

جريدة الاقتصادية الأحد 1426-03-22هـ الموافق 2005-05-01م العدد4220

الحلقات المفقودة في النظام الاقتصادي ... هل تعيها الهيئة العامة للاستثمار؟

د. عبدالله إبراهيم الفايز
جاء تأكيد ولي العهد لدعوة الاستثمار الأجنبي وما بينه من إصلاحات وتعديلات هيكلية على أنظمة الاستثمار والضرائب والقضاء وما يتبعه من تنظيم السوق المالية وغيرها من الإصلاحات ليفرض علينا إعادة النظر في مدى قابلية نظام الدولة ككل ومدى توعيتنا للمواطن بتفعيل هذه القرارات. وهي جزء من مسؤولية المجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العليا للاستثمار التي ولدت في الوقت الذي نحن في أشد الحاجة إليها، وهي قرارات مهمة في مرحلة حرجة من المسار الاقتصادي لدولة فتية تسبح في خضم الدول العظمى وتواجه طوفان المتغيرات العالمية والتكتلات الاقتصادية، ولمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه لربط النسيج الاقتصادي ومعالجة بعض القضايا المحلية التي تعوق التنمية. وجاءت الهيئة العامة للاستثمار واعدةً لتبديد هذه المعوقات. وهذه خطوات لا غبار عليها ولكنها ومنذ تأسيسها لم تقدم أية نتائج تذكر، بل إن المراقب للمسيرة الاقتصادية يجد أننا نتأخر اقتصادياَ، وإن رجال الأعمال يهربون باستثماراتهم ومئات المليارات إلى دبي وغيرها. وقد تكون سحابة الصيف الحالية التي صوّرتها لنا ارتفاع أسعار النفط قد أعمت عيوننا والتي لولاها لانكشف الكثير من التأخر. وأين الشفافية في اجتماعاتنا لمنظمة التجارة العالمية التي كان من المفروض أن تتم توعيتنا بها بعد كل جلسة عمل واجتماع، بالمخرجات ولأخذ توصيات المواطنين ورجال الأعمال لمثل هذا الحدث. وهل تمت فعلاَ دراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للانضمام؟ وهل تم إعلانها لنا لنكون جاهزين ونخطط مسبقا للاستفادة منها، أم أن ذلك امتياز لرجال وزارة التجارة والهيئة. والمسرحية الأخيرة هي سوق الأسهم التي لا تعتمد على أي مؤشرات أو منطق، بل تعبث بها مجموعة من المضاربين هم الذين يقررون ويوجهون السوق على جلسة للعشاء ليلياَ. بينما سوق المال ليست لديها إلا سلاحها الوحيد وهو الموت البطيء للمساهم بعدم تعدي السوق 10 في المائة لليوم ليمتص المواطن على عشرة أيام بدلاَ من يوم واحد. لا بد أن هناك ميكانيكيات ونماذج حاسوبية إحصائية أخرى للسيطرة على تلك المضاربات. وهل سمعنا عن محاكمة أو مساءلة مجلس إدارة بعض الشركات المساهمة التي تتاجر بالمعلومات والشائعات؟ وما مصداقية مكاتب المحاسبة التي تزور وتبصم ميزانيات ومراكز مالية بما تريده الشركات؟ وما مسخرة الشيكات دون رصيد التي يسجن عليها دولياَ؟ هل تمت معاقبة أحدهم ليعتبر الجميع. أسئلة تمثل غيضا من فيض وتشكك في قدرتنا وتهيؤنا للتحول من اقتصاد شبه مركزي، بعد أن كانت الدولة هي الممول له، إلى اقتصاد حر يلعب فيه القطاع الخاص الدور الأكبر.
وقد يكون الخلل هو أن نعتقد أن الحل لدى الاقتصاديين فقط وعصاهم السحرية للسياسة النقدية والمالية. بينما هو بعيد عنهم ومفتاحه مرهون بدور علماء الاجتماع والسياسة، فنحن ننسى أو نتجاهل أن أي هيئة أو قرار أو سياسة اقتصادية لا يمكن تطبيقها في ضوء عدم وجود نظام سياسي واجتماعي وقانوني تشريعي متكامل ومترابط (العمود الفقري للدولة ودستورها الشرعي) ويوفر له الحماية القانونية الصارمة على القوي والضعيف وبشفافية واضحة. فما فائدة الأنظمة دون وجود مَن يرعاها من الإهانة ويضمن لها هيبتها التي هي من هيبة الدولة وصرامته. والذي بدوره يعزز ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب للاستثمار في هذا البلد. وإيجاد مثل هذا النظام ليس من اختصاص الاقتصاديين فقط، بل من صميم اختصاص المخططين السياسيين والاجتماعيين. وهو عادة يكون مربوطا بأحد الأنظمة المتكاملة مثل نظام الضرائب ( بدلاَ من الرسوم) الذي يشكل أهم الأنظمة التي توفر معظم المعلومات عن المواطن والشركات والدخل العام ومنها تشتق جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. وهو نظام مربوط بمؤشرات اجتماعية وسياسية واقتصادية. تعتمد على سلوكيات المستهلك ومعدل البطالة وثقة المستهلك بالاقتصاد ومعدلات الإنتاج القومي وغيرها. وهذا الترابط مهم في محاولة توجيه الاقتصاد العام، ويخضع لمعايير وضوابط دولية ومراقبة داخلية. ويتطلب مراجعة شاملة للأنظمة والقوانين وبناء قاعدة صلبة من تقنية المعلومات، لتعطي الدولة فرصة للتدخل وتوجيه دفة جميع الأنظمة. فالمعروف دولياَ أن معدلات سوق العقار ترتبط بسعر الفائدة في البنوك. وهذه المؤشرات نفتقدها ولا أعتقد أن اقتصادنا سينجح دونها إلا بمحض المصادفة ووجود الثروة النفطيةوالتي هي المؤشر الوحيد لدينا. وهذا خطأ اقتصادي واضح تجب معالجته ومحاولة ربطه بتأثير المؤشرات الأخرى لمعرفة مدى تأثيراتها الاجتماعية والسياسية على المدى الطويل. فقد انتهى عهد الحلول الوقتية أو الردود الفعلية لكل حدث والتي تعالج المشكلة في وقتها دون معرفة تبعياتها المستقبلية وما يخلفه الحل أحياناً من سلبيات أكثر تكلفة على المجتمع. وذلك يجعل من اتخاذ القرار أمرا معقدا ويمثل تحديات كبيرة، لا بد من توظيف جهاز وموظفين أكفاء وعلى مستوى عال من التأهيل. فالمعوقات قد تكون مشاكل اجتماعية أكثر من كونها اقتصادية لأنها مقيدة بعوامل اجتماعية بحتة وهذا يحتم وجود الحاجة إلى التخطيط الاستراتيجي ومحاولة الاعتراف بأنه تخصص علمي معترف به وليس باستطاعة اقتصادي أو سياسي أن يتفوه به وحده دون أن تكون لديه خلفية سياسية واجتماعية. فالمخطط يعمل بالتنسيق بين تلك التخصصات بناءً على قاعدة معلومات صلبة محلية وإحصائيات سكانية وتوقعات مستقبلية للنمو ومربوطة بمتغيرات في الاقتصاد والاجتماع والسياسة المحلية وعلاقتها بالدولية، وأن يربط السياسات مع مشاكل الوضع الحالي وإمكانية معالجة الأمور وفق دراسات تخطيطية تنظر إلى المدى الطويل.
وذلك مربوط بسلسلة معقدة من الأنظمة والمؤشرات التي يجب توحيدها وربطها بميكانيكية ونظام متكامل ومترابط يمكننا من قراءة الاقتصاد الوطني والقدرة على فهم التغيرات التي تؤثر عليه عند تغير أي من المؤشرات. وهو أيضاَ مربوط بعملية التوحيد القياسي للأنظمة والمعلوماتية الحكومية في شبكة وقاعدة معلومات موحدة وربطها معلوماتياً بواسطة شبكات الحاسوب. وبحيث يكون هناك توحيد للنماذج والاستمارات الاستبيانية لربط المعلومات الوطنية ببعضها بطريقة أتوماتيكية بحيث تكون طريقة إدخال المعلومة موحدة في كل جهة حكومية. ويتم عادة إصدار بطاقات ممغنطة لكل مواطن كما هو مطبق الآن للجوازات (أو إحياء المغنطة الموجودة أصلاً خلف البطاقات الحالية أو رخص القيادة الحالية) لتتمكن كل جهة حكومية من تمريرها على حساسات حاسوبية لمعرفة أية معلومات عن المواطن بدلاً من إرهاق الجميع بطلب صور منها مما يساعد على التخلص من أرشيفات ومخازن الأوراق التي تحتل مساحات كبيرة من المباني الحكومية. إضافة إلى أن مثل هذا التنسيق من الأفضل أن يكون من جهة محايدة ولها نظرة عليا أو انتقادية من خارج تلك الوزارات لتكون الفائدة منها عادلة.
ومن منحى آخر نجد أننا نفتقد تطبيق أهم مبادئ التخطيط الاقتصادي الوطني السليم والمترابط مع المجتمع والسياسة وتطبيق مبادئه وأساليبه المعروفة ـ على سبيل المثال ـ تطبيق نظام INPUT OUTPUT MODEL الصناعات الأساسية Basic& Service Economies وما تدره من فرص عمل من خلال الصناعات الخدمية والمساندة التي تتبعها. وما توفره تلك الصناعات من فرص عمل تلقائية تساعد على تشجيع السعودة Multiplier Effect. وكذلك تجاهلنا أهم القطاعات الاقتصادية التي تكون البنية التحتية لأي اقتصاد وطني وهو قطاع تنمية مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة SMALL BUSINESS DEVELOPMENT بدلاً من الاحتكار وسيطرة الشركات الكبيرة. والتي تعتبر من أنجح الوسائل المطبقة عالمياً لتوسيع الطبقة المتوسطة من المجتمع، وبذلك يسود الاستقرار الاقتصادي وتتساوى فرص الكسب وسط شريحة واسعة من المجتمع بدلاً من تركزها على مجموعة معينة من أفراده.
كما أن التخطيط الاقتصادي السليم يحتم علينا أن نربط الإحصاءات والأرقام بواقعنا الاجتماعي والاقتصادي، وألا نعيش أحلامنا على الورق وبمعزل عن المجتمع الدولي الكبير ومنظمة التجارة العالمية التي أصبحنا جزءا منها. وإننا لا بد أن نتحسب لبعض المتغيرات الاجتماعية المستقبلية التي قد تفرض بعض القيود على تحقيق تلك المعدلات الضخمة، وأن يتم تعديل الخطط بين الحين والآخر وفقاً لذلك. ومع أنه من الطبيعي جداً أن تكون هناك عوائق عديدة للنمو الاقتصادي في معظم دول العالم إلا أن المجتمع السعودي النامي يحظى بمجموعة منفردة من المعوقات الاقتصادية التي أساسها إفرازات اجتماعية فريدة. وقد سبق أن أشرت إليها في مقالات، ومنه:
ـ المعوقات الاجتماعية وتضخم الأجهزة الحكومية وتدوير واستثمار ممتلكاته.
ـ معوقات السعودة: تحديد الحد الأدنى للراتب مع محاولة توحيد سلم رواتب وظيفي نموذجي وتوحيد عقود العمل لتوظيف السعوديين وعقوبات لاحترام أسرار العمل وحقوقه وربطه بأنظمة التقاعد والتأمين الصحي ووضع قوانين صارمة لتطبيقه. ووضع ضوابط لشهادات حسن السيرة والخبرة العائلية التي تعطى تزويرا ومعاقبة من يتلاعب بها بحيث يمكن الاعتماد عليها كمراجع للتوظيف.
ـ الضوابط الشرعية للإقراض البنكي والعقود العقارية، مازالت قضية الإقراض والتقسيط البنكي عائمة على السطح دون أي تشريع أو ضوابط تحكم عملية التحاكم إلى الشرع وحفظ حقوق الدائن. وكما أن القانون لا يحمي المالك للعقار من المستأجر الذي لا يدفع الإيجار ولا يخلي العقار. وعدم جاهزية القضاء لحل المنازعات وعدم وضوح الأنظمة والقوانين.
ـ دور القطاع الخاص والبنوك في الإقراض والتمويل العقاري والسعودة والأبحاث والتطوير ورهن العقارات وإعطاء قروض التمويل للاستثمار.
ـ تسرب الرساميل إلى الخارج والعقبات أمام الاستثمار الأجنبي.
هذه النقاط في مجملها تكون بعض العثرات التي يجب أن نفعلها لتنمية الاقتصاد الوطني، والتي يجب أن تعالجها الهيئة العليا للاستثمار وترفعها للمجلس في نطاق مضمونها وتأثيراتها وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني وامتدادها إلى علاقاتنا الاقتصادية الدولية والتهيؤ للمتغيرات الدولية. وهذه المشاكل قد تبدو صعبة ومعقدة، ولكن يمكن معالجتها بالتخطيط السليم وبطريقة تدريجية مدروسة ومجدولة زمنياً مع محاولة زيادة توعية المجتمع بأهمية تأثير سلوكياته على النمو الاقتصادي.

نظام الاستثمار الأجنبي
تنظيم الهيئة العامة للإستثمار