منذ ساعات

الملف الصحفي

محاكم الأحوال الشخصية.. هل تصبح مصدراً تشريعياً لمعالجة قضايا المرأة المعلقة

جريدة الرياض الأحد 15 ربيع الأول 1426هـ - 24 إبريل 2005م - العدد 3453

حضانة الأولاد والميراث والمعلقات والمطلقات ينتظرن ادراج قضاياهن فيها لانصافهن
محاكم الأحوال الشخصية ... هل تصبح مصدراً تشريعياً لمعالجة قضايا المرأة المعلقة

تحقيق - سحر الرملاوي، نورة الحويتي، عذراء الحسيني
في الأسبوع الأخير من شهر صفر الماضي وتحديداً في 24 صفر 1426هـ صدر الأمر الملكي بالموافقة على الترتيبات التنظيمية لأجهزة القضاء وفض المنازعات واستكمال الإجراءات النظامية لتعديل الأنظمة وفق ذلك ولقد أقر النظام أيضاً تغيير مسمى (محاكم الضمان والأنكحة) إلى (محاكم الأحوال الشخصية) لتتولى الفصل في كل ما له علاقة بالأحوال الشخصية».
ولما كانت محاكم الأنكحة والضمان موجودة فقط في كل من الرياض وجدة فإن قرار تغيير المسمى سيبقى مجرد تغيير مسمى ما لم تواكبه تعديلات جوهرية في التعامل مع قضايا الأحوال الشخصية وتوسع في ايجاد محكمة أحوال شخصية في كل منطقة من مناطق الوطن، بل في كل محافظة كحد أدنى، إذ يندرج ضمن تلك القضايا كل ما له علاقة بالأسرة وخصوصاً المرأة والطفل وتنتظر المرأة أن تصبح محاكم الأحوال الشخصية مصدراً تشريعياً يعالج قضاياها المعلقة بسرعة ويأخذ لها حقها بحزم وخاصة في قضايا الزواج والطلاق والنفقة وحضانة الأولاد والعضل والتعليق والميراث والعنف الأسري..
وفي هذا التحقيق نقف مع المرأة ورجال القانون والقضاء والمعنيين بشؤون المرأة على تصور تقريبي لصورة محاكم الأحوال الشخصية كما تحتاجها المرأة فعلياً.
نفقة وضم أولاد
(ه.و) لديها طفلان ومطلقة منذ أكثر من ست سنوات تقول أصبحت أتردد على المحكمة مؤخراً بشكل مستمر فبعد أن حصلت على حكم الطلاق قبل عدة سنوات وبعد عدد من البيانات والاثباتات التي مكنتني من الخلاص من أبي أولادي من غير أن أدفع له شيئاً وبتعاطف القاضي مع قضيتي حكم لي بالطلاق والنفقة، وكنت وقتها لا أعمل وليس لدي أي مصدر ثابت للدخل وحكم القاضي بخمسمائة ريال شهرياً وذلك حسب قدرة طليقي وتمر الشهور والسنوات ولا يدفع شيئاً للأولاد وعندما أطالبه وأوسط أحداً من أهله بيننا يرسل لي مائتي ريال.. وصبرت وطرقت أبواب العمل مهما كان من أجل أن أربي أولادي باللقمة الحلال، وبعد أن فتحها الله عليّ واشتغلت وأصبح الحال مستوراً جاء يريد أولاده، مع أني لم أتزوج خوفاً على أولادي من رجل يظلمهم وأن يحرمني أبوهم منهم!! وبعد كل هذا الصبر يريد أن يأخذهم عنوة.. فتقدمت للمحكمة ورفعت عليه قضية نفقة أطالبه فيها بكل السنوات التي صرفتها على أولاده، وبعد عدة جلسات حكم لي القاضي بست آلاف ريال ويخيرون أولادي بالعيش معه أو معي، ومع أن هذا المبلغ لا يعد شيئاً إلا أني أعرف انه لن يدفع ريالاً واحد من أجل أولاده وليس أهلاً لتربيتهم ولكنه يريد أن يسبب لي المشاكل وينغص عليّ. فهو يهدد ويتوعد وسيفعل الكثير ويختلق العديد من المشكلات من أجل تعذيبي وقهري؟! وقد جئت اليوم لأطالبه بالنفقة وأن يلزمه القاضي بدفع المبلغ المحكوم به وأشهد عليه بعدم التعرض لي ولأولادي وأن يراهم الرؤية الشرعية المتعارف عليها، وقد أعطاني الشيخ موعد وطلب حضوره ولا أتوقع استجابته؟!
محكمة لاثبات الحياة
أم سند قضيتها تتكرر مع كل النساء اللاتي يستفدن من الضمان الاجتماعي فهي تأتي في كل مرة يجري فيها الضمان بحث حاله، حيث من الأوراق الهامة والمطلوبة صك اثبات الحياة؟! ولاستخراجه يتوجب أن تذهب المرأة إلى المحكمة وقد احضرت معها أربعة رجال منهم اثنان معروفان وآخران مزكيان؟! أم سند مشكلتها أنها امرأة ليس لديها رجال يستطيعون أن يقوموا بهذه المهمة، بسبب تعذر حضورهم كل مرة في وقت ومكان واحد، وإذا تم ذلك بعد عدة محاولات وتوسل!! يكون الجهاز معطلاً كما تقول؟ وكما يؤكد موظف إدارة الحاسب انه بسبب كثرة الحالات والضغط يحدث عطل باستمرار في الشبكة وتقف الأجهزة وأحياناً تنقطع الكهرباء!!
تلك المرأة الكبيرة «المستحقة» تقترح بأن يكون في المحاكم أو مكاتب الضمان الاجتماعي نساء يطابقن بطاقة أحوال المرأة والتي تحمل صورتها وكافة المعلومات عنها وينتهي الأمر بلا تعقيد وروتين لا مبرر له؟!
وصاية أم تعذيب
وفي صالة استقبال خصصت للنساء اللاتي لم يحضر معهن ولي ليقدم لهن أوراقهن لموظفي المحكمة كانت هناك مجموعة من النسوة المختلفات الأعمار واللاتي ينتظرن دورهن في عرض مشاكلهن من خلال الشباك على موظفي المحكمة، وكان السكون يخيم على الأجواء إلا من حديث هامس، حيث كانت إحدى الفتيات تتوسل إلى موظف الاستقبال عبر شباك صغير أن يقبل شكواها ويكتبها لتقدمها للقاضي عله أن يجد لها حلاً فقد تقطعت بها السبل هي وشقيقتيها يشكون ظلم أشقاءهن الذكور الذين لا يألون جهداً في ايقاع شتى أنواع الأذى والتنكيل بشقيقاتهم الثلاث ومنعهن من الحصول على أبسط حقوقهن المعيشية وكل ذلك بدعوى انهم الاحق بإدارة شؤونهن الشخصية وفرض وصايتهم عليهن حتى لم يجدن سبيلاً غير الهرب من المنزل بعد أن رأين الأسلحة الخفيفة في أيدي أشقائهن والمكوث عند أقارب لهم من بعيد إلى أن يستقروا بالتصديق على شكواهن وفرض الوصاية عليهن وتزويجهن بمن يتقدم لهن ويرونه صالحاً وعندما سألتها مما يشكون أشقاءكن ولِم هذه القسوة المبالغ بها أجابت: بأن هذا طبعهم منذ أن خرجوا من المدارس، ولم يكملوا تعليمهم ولم يجدوا عملاً يقتاتون منه، وتضيف: شجعهم على ذلك تهاون والدي - رحمة الله عليه - وصبره وتحمله على أذاهم وعدم ردعهم مما جعلهم يتطاولون بالضرب عليه وعلى والدتي الطاعنين في السن واعتقد بأنهم يكونون تحت تأثير المسكر فهم لا يعودون إلا عند منتصف الليل وكنا نقفل باب الغرفة علينا لكي لا يرونا في طريقهم ويصبون جام غضبهم علينا ولكن بعد وفاة والدتي وقبلها والدي لم نعد نطيق صبرا على هذه المعيشة التي نحياها وفضلنا أن نتجه للمحكمة الكبرى لعل القاضي أن يرحمنا ويرحم ضعفنا ولكن استغرب أنهم يطالبوننا باحضار الأوراق الثبوتية المبالغ بها فقد أخبرناهم بأننا خرجنا من المنزل ولم يكن معنا غير شهادات الميلاد التي نملكها ودرسنا بها، ولكن المصيبة الكبرى أن لا يقبل القاضي شكوانا عندها لمن نلجأ ولمن نشتكي؟
لن أتراجع عن الطلاق
وفي صالة أخرى من صالات انتظار السيدات كانت تجلس سيدة في نهاية العشرين من عمرها ويبدو عليها الملل من طول الانتظار ووالدها الشيخ الوقور يجلس بالصالة المجاورة، وأي انتظار فهي تنتظر زوجها أن يؤتى به من إدارة السجن لتقدم دعواها عليه وتطلب الطلاق منه فهو مسجون منذ ثلاث سنوات بتهمة النصب والاحتيال ولأنها ملت طول الانتظار ونفذ صبرها في إصلاح حاله ورعاية الأطفال وحدها طوال مدة إقامته في السجون بالتهم المختلفة،
تقول لنا: بأنها رضت بحكم الله عليها وقد استخارت عدة مرات وارتاحت لقرارها في طلب الطلاق الذي لن تتراجع عنه ولن تتنازل فقد طفح الكيل لديها وتريد الطلاق بأي ثمن.
(العنف دائرة أخرى)
العنف الأسري من القضايا التي تنتظر حلاً حازماً في محاكم الأحوال الشخصية المنتظرة ولكي نصل إلى بعض القصص المغيبة عن أروقة المحاكم التقينا الأستاذة نجوى محمد فرج اخصائية التوعية الصحية بمستشفى قوى الأمن والتي حكت بعض القصص قائلة: من حالات العنف التي مرت بنا حالة طفل لم يتجاوز الثلاث سنوات جاء يعاني من تقرحات لنكتشف بعد ذلك انه تعرض للحرق بملعقة ساخنة في مناطق حساسة وقد اكتشف والده هذا الأمر وكانت زوجة الأب هي المتسببة في هذا العنف.
أما الحالة الثانية فهي لطفل عمره ستة شهور جاء مصاباً بكدمات وآثار عض وآثار كسور قديمة لم تعالج وللأسف فان قضية هذا الطفل تاهت بين الزوج والشغالة، إذ أن أم الطفل معلمة تعمل خارج الرياض تضطر إلى مغادرة منزلها قبيل الفجر وتعود متعبة فلا تلاحظ ابنها إلا بعد الراحة وتتولى الخادمة رعايته والوالد يعمل في المجال الصحي ولقد تولت لجنة حماية الاطفال التي يرأسها رئيس قسم الاطفال متابعة الحالة ولكن لم تثبت مسؤولية إيذاء الطفل على أي فرد رغم أن الشكوك حامت حول الأب، المهم أن الطفل أخذه والده من المستشفى ولم يعد به مجدداً.
أما العنف ضد المرأة فكثيرة أحواله ونذكر منها امرأة متزوجة منذ قرابة عشرين عاماً جاءت برأس مفتوح وادعت في البداية ان السبب سقوط قدر الطعام على رأسها ولكن بعد فترة اعترفت بأنها تعرضت للإيذاء من زوجها واقتنعت بضرورة الابلاغ عن الواقعة خاصة انها لم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها لهذا العنف الكبير وساندها اهلها في الابلاغ حول ملف القضية إلى الشرطة.
(حالة عنف)
وحدثتنا السيدة س. أ عن حالة عنف تعرضت لها ولم تشفع تقاريرها الطبية لها أمام القاضي لإنهاء معاناتها بشكل مقبول تقول: دأب زوجي منذ الساعات الأولى لزواجنا على توجيه الايذاء المبالغ فيه لي وكنت اصبر كما كنت اخفي الأمر عن اهلي حتى جاء يوم وكان قد مر على زواجي ستة أشهر فقام زوجي بضربي وسحلي على الأرض ورش المبيد الحشري علي ثم تركني كأني جثة وغادر المنزل بعد أن أغلقه علي بدون طعام لمدة ثلاثة أيام وعندما عاد كنت شبه ميتة وذهبت إلى منزل أهلي وهناك اطلعتهم على ما مر بي وفجعوا وساندوني في طلب الطلاق وامام القاضي وضعنا كافة الاثباتات التي تثبت الأذى الجسدي الذي تعرضت له إلا أن القاضي أصر على الصلح بيننا ولم أتمكن من الحصول على الطلاق في المحكمة ولكن بعد ان ذهب رجال إلى زوجي واتفقوا معه على ان ارد له المهر واتنازل عن المؤخر وعن كل ما املك حتى ذهبي لديه وافق على طلاقي ولم يطلقني فعلياً إلا بعد مرور عام كامل.
(مع أصحاب الرأى)
اكتفينا من الحالات بما قابلنا وحاولنا ايضاً تقريب وجهات النظر اكثر عبر الالتقاء بعدد من اصحاب الرأي والفضيلة بهذا الشأن وبدأنا بالكاتبة والناشطة بجمعية حقوق الإنسان السعودية الأستاذة سهيلة زين العابدين حماد التي قالت بأن التغيير الحاصل الآن في ساحات المحاكم من محاكم متخصصة للأحوال الشخصية ومحاكم للعمال ومحاكم تجارية كانت هذه من مطالبنا التي طالبنا بها في جلسات الحوار الوطني الثالث وفي مساعينا بجمعية حقوق الإنسان بإنشاء محاكم متخصصة من ضمنها المحاكم الأسرية كما نطالب بتعيين قضاة متخصصين بالأحوال الشخصية.
وتضيف مؤخراً حضرت ندوة عن العنف الأسري نظمها مركز الدراسات الإنسانية بجامعة الملك سعود وكان من ضمن البحوث الميدانية ورقة قدمها دكتور متخصص بطب الاطفال بمستشفى الملك فيصل التخصصي ذكر بها حالات عنف لا يتصورها العقل قامت بها زوجة الأب تجاه أبناء زوجها.
(باب الاجتهاد مفتوح)
وترى الناشطة سهيلة بأن قانون الأحوال الشخصية مستمد من الشريعة الإسلامية السمحة وباب الاجتهاد مفتوح في هذا القانون فيجب ان نأخذ بما جاء به الفقهاء وايضاً ألا نقف عند ما وصلوا اليه ولكن لنجتهد فميزة الاسلام والشريعة الإسلامية هي مرونته وصلاحيته لكل زمان ومكان.
وطالبت أ. سهيلة بإنشاء هيئات قانونية واستشارية نسائية في المحاكم لأن أرى أن المرأة هي الأقدر على صياغة الشكوى للمرأة وعند يكون هناك هيئة استشارية نسائية فيتسنى لها الذهاب الى بيت الزوجة وترى مدى تهيئة الزوجة لحضانة ابنائها وتستطيع من خلال ما تراه وما تسمعه من الأولاد ان تتحقق من اين تكون المصلحة في حضانة الأولاد.
(العنف الأسري مرة أخرى)
وتحدثنا الأستاذة تغريد نزار سمان مديرة قسم التوعية الصحية بمستشفى قوى الأمن عن انواع العنف الأسري التي يجب الأخذ بها في محاكم الأحوال الشخصية قائلة: ان موضوع العنف الأسري من المواضيع القديمة والتي لا تزال تعاني منها المجتمعات بثقافاتها المختلفة ومن اشكاله: الإيذاء الجسدي (الضرب، القرص، العض، الحرق...) - الايذاء الجنسي (انتهاك قسري، أو حيلي، أو تلاعب، تحرشات) - الايذاء الاقتصادي (الحرمان من المال اللازم للحياة، أو الإكراه على إعطاء المال) - الايذاء النفسي (التهديد، التخويف) - الايذاء اللفظي (السب، الشتم) - الإهمال (عدم مراقبتهم والإشراف عليهم).
وتعتمد على قابلية أحد الوالدين للإصابة بمرض نفسي، أو يكون الطفل ذا صفات استفزازية ومثيرة للغضب، أو حدوث ظرف عصيب يثير ردة فعل عنيفة لدى الأسرة أو أحد افرادها، وكذلك لدى العائلات التي تعاني من عزلة اجتماعية وصعوبات مالية أما اكثر الفئات استهدافاً الذي تنقصه بعض الصفات الجسدية - الطفل المولود قبل موعده ويحتاج إلي رعاية اكبر. - الطفل الصعب (كثير الصياح شديد الانفعال) - الطفل البطيء (المنعزل الذي لا يستجيب لما حوله). - الطفل المشاكس (المعاند الذي لا يستجيب للتعليمات ويتصرف بشراسة)؟
وتقول الأستاذة تغريد: بالطبع تحتاج بعض الفئات التي تتعرض لبعض أنواع العنف الأسري الى حماية قانونية اذا كان هناك اكتشاف حالات سوء معاملة واعتقد ان الإجراءات القانونية التي يجب الالزام بها وجوب التبليغ عنها وهذا مايحدث عادة عندما تحضر حالة الى المستشفى يكون بها اعتداء او عنف تحول إلى قسم الأمن بالمستشفى والذي بدوره يحولها الى الشرطة التي تقوم بالاجراءات المناسبة.
«الرياض» التقت ايضاً الدكتور يوسف بن عبداللطيف بن حمد الجبر المستشار القانوني والقاضي سابقاً والذي قال: قضايا العنف الاسري متنوعة الصور ويجمع بينها ما تخلفه من اثر سييء على المعتدى عليه نفسياً وجسدياً وهي تشكل خروجاً صريحاً على حكم القيم، وقانون الاخلاق، وحقوق الانسان، ومن ابرز اشكال العنف الاسري: العنف البدني والعنف اللفظي بالسخرية والتطاول على العرض والكلمات النابية، العنف المالي بحرمان أفراد الاسرة من المال اللازم للغذاء والمسكن والعلاج والتعلم، العنف العاطفي، العنف الجنسي كالاعتداء على المحارم، العنف الديني بمنع الأبناء من ممارسة العبادة أو ممارسة الأب لسلوكيات لا أخلاقية كتعاطي المخدرات. وأكثر الفئات المستهدفة النساء (الزوجة تحديداً) والأطفال (الأبناء) ولعل العادات والتقاليد صنعت بيئة لم توفر الحماية الكافية لهذه الفئات عند تعرضها للخطر، فهناك حواجز ومعوقات امام سلامتها ومن ذلك ثقافة العيب والعار وتجريم الكلام والشفافية في نقد الواقع، ومنح الرجل سلطة مطلقة في تأديب افراد الاسرة.
ويضيف الدكتور الجبر: الحماية القانونية من أهم وسائل تغيير واقع العنف الاسري، فالفطرة البشرية قد تجنح نحو الظلم والاستبداد، وتستمرئ الانطلاق من حكم الأنانية والإثرة، ولا يردع النفس الجانحة إلا حكم القانون، وانظمة السلطة، لذلك كان من الواجب سن الانظمة الكفيلة بحماية من يتعرض للخطر في جو الأسرة، حتى تطمئن نفوس هؤلاء المعذبين، ويشعروا أن لهم يداً تساندهم، وكياناً يدافع عن حريتهم وحقهم في الحياة الكريمة.
وحول ما كانت قد اتخذته الدولة من إجراءات حماية سابقة يقول الدكتور يوسف: تم الإعلان من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية العام الماضي عن إنشاء مكاتب حماية للأسرة ولكن لم نسمع عن خطة هذه المكاتب، وبرامج عملها، والمقترح أن تنشأ هذه المكاتب في جميع مدن ومحافظات المملكة، ويكون لها صلاحية التدخل في حل قضايا العنف الأسري، والتحقيق في أبعادها، ومن ثم اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع وقوع اي ضرر محتمل على اي فرد من أفراد الأسرة، فلها مثلاً ان تنقل الطفل المتعرض للعنف الشديد الى دور الحضانة
الحكومية، وكذلك توفير مسكن مؤقت للنساء اللاتي فجعن باضطهاد من قبل الزوج او الاب، وبعدها يتم اعداد اوراق المعاملة وبعثها للجهات القضائية للنظر فيها بشكل عاجل.
واكتملت المنظومة
ويرى المحامي والمستشار القانوني عبدالله عبدالعزيز الفلاج ان ما قررته حكومتنا الرشيدة بالامس القريب من اصدار أمر ملكي كريم يقضي بالموافقة على الترتيبات التنظيمية لاجهزة القضاء وفض المنازعات واستكمال الاجراءات النظامية لتعديل الانظمة وذلك بانشاء محكمة عليا ومحاكم عمالية - تجارية - استئنافية عن كل منطقة من مناطق المملكة وايضاً تحويل الضمان والانكحة الى محاكم (الاحوال الشخصية والجزئية الى جزائية) ما هو إلا تكملة للخطوات الصحيحة التي اتخذتها من قبل وذلك بالموافقة على نظام المرافعات الشرعية ونظام المحاماة ونظام الاجراءات الجزائية وبذلك تكتمل المنظومة القضائية كخطوة من خطوات الاصلاح التي عودتنا عليها دائماً حكومتنا الرشيدة. ويبين قائلاً انه في حقيقة الامر هذه الترتيبات التنظيمية سوف تقضي على سلبيات كثيرة كانت، منها سرعة الفصل في القضايا المنظورة امام القضاء والتي بلاشك زادت في الآونة الاخيرة بسبب زيادة عدد السكان والعاملين بالقطاعين الخاص والعام ووجود مستثمرين اجانب وكثرة المشاكل الزوجية، فوجود محاكم متخصصة لنظر قضايا الاحوال الشخصية وكذلك القضايا التجارية والعمالية سوف تجعل القاضي متخصصا في نوعية معينة من الدعاوي، الامر الذي لاشك انه سوف يسهل عليه، اما في حالة نظره لعدة مواضيع مختلفة فإن هذا يصعب على القاضي مهمته في البحث والدراسة والوصول الى الحقيقة مباشرة مما يؤدي الى عدم انهاء الدعاوي في اقرب وقت وازديادها امام القضاة.
أما من حيث انشاء محاكم استئناف لكل منطقة فهذه الخطوة الاهم الآن فبوجود هذه المحاكم سوف تعطي للمحامي الفرصة مرة ثانية لاثبات وجهة نظره امام جهة قضائية أعلى واكثر عدداً، وكذلك سوف تمنع التحرج من ابداء الملاحظات على حكم فضيلة الشيخ الذي يقدم امامه الاعتراض حسب المتبع حالياً، وسوف يمنع وجود أي حساسيات بين القاضي والمحامي او الوكيل الشرعي عند نظر أي قضية اخرى ولا ننسى ايضاً ان هناك جانبا ايجابيا مهما سوف تجنيه المرأة من وراء هذه التنظيمات الجديدة وخاصة في الوقت الذي كثرت فيه مشاكلها وتعددت امام المحاكم بجميع انواعها من قضايا الطلاق والخلع والحضانة والنفقة والرؤية.. وسهولة حضورها امام محاكم الاحوال الشخصية دون التعرض لاختلاطها بالمتهمين في قضايا جنائية وعدم وجود شبه عليها لمجرد المثول امام المحكمة المتخصصة سوف يرفع عنها أي حرج، اضافة الى انه سوف تنظر قضاياها امام قضاة متفرغين ولديهم الخبرة والدراية في نظر هذا النوع من القضايا في أسرع وقت.
قضايا الأحوال الشخصية
ويطلعنا المستشار الفلاج على انواع القضايا التي ترفعها النساء واكثرها شهرة في محاكمنا فيقول ان الاجراءات والانظمة المطبقة في محاكمنا بالنسبة لقضايا المرأة هي نفس الاجراءات المتبعة في قضايا الرجل وذلك سواء كان أمام المحاكم الشرعية او ديوان المظالم او اللجان العمالية ولا سيما بأن القضايا الشرعية كانت من أهم قضايا المرأة التي تحصر في قضايا الاحوال الشخصية بين الزوجين مثل قضايا الطلاق بأنواعه فقد يحصل الخلاف بين الزوجين وينتج عنه البغض والكره لأحدهما اتجاه الآخر او ان يجور الزوج عن حقوق زوجته، ولم يلتزم بما أمره الله تجاه هذه الزوجة الامر الذي يجعل الحياة بينهما شبه مستحيلة مما يجعل الزوجة تبحث عن الطلاق لانهاء هذه المشكلة حتى لا يصبح للنكاح مفسده وضرر بالنسبة للزوجة وكذلك دعاوي الانقياد لبيت الزوجية ودائماً؟ يعقب هذه القضايا قضايا الطلاق ودعاوي الحضانة للاطفال ودعوة الرؤية ودعوة مؤخر الصداق وقضايا النفقة.
كذلك من القضايا التي ترد للمحاكم قضايا الميراث بالنسبة للمرأة ومثال لذلك تتم الوصايا غالباً للذكور في اعطائهم الحق في تولي ادارة التركة فيسيئون هذا الحق ويؤدي ذلك الى ضياع حقوق المرأة في أخذ نصيبها من الميراث الشرعي وعندما تكتشف المرأة ذلك تبدأ رحلة البحث عن حقوقها الضائعة لدى المحاكم الشرعية فتصدم بالواقع المرير بضياع غالبية حقوقها في الميران وقد تكون هناك ظروف ضاغطة لها من افراد الاسرة قد تمنعها حتى عن الكلام في حقها الشرعي ناهيك عن مطالبتها له.
ثم تأتي في المرتبة الثانية قضايا النصب والاحتيال والتي تستهدف فئة معينة من افراد المجتمع التي تملك المال وقد استهدفت المرأة بالذات نظراً لعدة عوامل اساسية اسهمت في ازدياد عدد الضحايا من النساء مستغلين في ذلك جهل اغلب النساء بالانظمة والقوانين واستفادة بعض الوكلاء الشرعيين من صكوك الوكالة والتصرف بمقتضاها، دون علمها. ومن المشاكل التي تواجه قضايا المرأة تأخير الفصل في قضاياها لدى المحاكم الشرعية بسبب كثرة القضايا المتراكمة لديها ففي مدينة الرياض التي تكتظ بالسكان السعوديين والمقيمين توجد محكمة شرعية واحدة مثلها مثل باقي المدن الصغرى رغم الفارق في عدد السكان مع بقية المدن الاخرى وهذا التأخير قد يؤدي الى ضياع حقوقها لذا فلابد من استحداث طرق سهلة تسهل اجراءات التقاضي ضماناً لحفظ حقوق المرأة ولنصرة قضاياها واعتقد ان تخصيص محكمة للاحوال الشخصية واخرى للمعاملات التجارية سيسهم في حل المشكلة.

نظام القضاء
تفاؤل بتسريع الإجراءات بعد صدور نظام ترتيب المحاكم في السعودية