منذ ساعات

الملف الصحفي

المستندات أو تحكيم الضمير وعلاقات الأسرة المتميزة

جريدة الوطن الثلاثاء 1425-07-29هـ الموافق 2004-09-14م العدد1446 السنة الرابعة

المستندات أو تحكيم الضمير وعلاقات الأسرة المتميزة

وحي فاروق لقمان
التقيت بأسرة فاضلة كريمة يتكون أفرادها من الأب والأم و3 إخوة ذكورا وأخت وحيدة عاشت هذه الأسرة في جو أسري سعيد تغمرهم السعادة يتبادلون المحبة والاحترام, مرت عليهم السنوات وهم في ود ووئام تخرج هؤلاء الإخوة من مراحل الدراسة المختلفة منهم الجامعي ومنهم من اكتفى بالشهادة الثانوية ولم يتوفق في تكملة دراسته الجامعية فاتجه إلى العمل والتحق بوظيفة تتناسب مع مؤهلاته وبمرور الأيام تكونت لكل أخ منهم أسرة تضم زوجته وأبناءه هذا وجميعهم لا يزال يعيش في البيت الكبير تحت ظل الأبوين يتشاركون في تكاليف المعيشة يساعد بعضهم البعض ويمد القادر يد المعونة للآخر دون تردد أو تراجع يتعامل الأخ مع أبناء أخيه ويلبي طلباتهم مثلما يقدم لأبنائه, ولكن الطبيعي أن تكبر الأسرة ويكبر الأبناء وبالتالي يضيق بهم المنزل ويحتاج الوضع إلى التغيير لعدم إمكانية الاستمرار في ذلك المنزل بعد أن تضاعفت أعدادهم, كان الجميع يرفض الخروج من ذلك المنزل والانفصال, كان الكبير والصغير يؤكد رغبته في الاستمرار تحت سطح واحد في ذلك الجو الأسري المتماسك المتحاب فاتفق كل الإخوة على إعادة بناء المنزل في صورة وشكل يتناسبان مع الحجم الجديد للأسرة الكبيرة فاستحسن كل أفراد الأسر الثلاث الفكرة وبدأ العمل على التنفيذ وللأسف هنا تبدأ المشكلة الحقيقية دون أن يشعروا بها إذ قام كل أخ من الإخوة الثلاث بتقديم ما لديه من مال كدفعة أولى حتى يبدأ البناء واستمر كل أخ بدفع ما يستطيع بين حين وآخر حتى يستمر البناء ولا يتوقف, هذا دون أن يتم رصد المبالغ التي يتم دفعها من كل شخص على حدة حتى يستطيع هؤلاء إثبات حق كل أسرة مستقبلا, تضاعفت الجهود المالية والبشرية واكتملت سعادة الجميع بالانتهاء من بناء المنزل الجديد الذي طالما حلموا به واتجهت الزوجات إلى محلات المفروشات لاختيار ما يحتجنه لأسرهن كل ذلك أيضا من الميزانية المشتركة للإخوة ومن المال الذي يجمعونه ويوفرونه دون أي حسابات أو أوراق ومستندات تثبت حق كل منهم ويذكر هنا أن ذلك البناء الجديد تم على الأرض التي هي ملك الأب إذ إنه ما يزال على قيد الحياة.. سكنت الأسرة المنزل وهم في قمة الفرح والسرور ترفرف عليهم مظاهر السعادة, في تلك الفترة بدأت تتدهور صحة الأب فقد تجاوز الثمانين من العمر فأدرك في حينها حجم المشكلة التي قد تطرأ بين أبنائه بعد وفاته أو حتى بين أحفاده بعد عمر طويل فحسب الشرع والقانون الذي يستمد أحكامه من الشريعة يجب توزيع التركة على الورثة وهنا سيكون نصيب الإخوة الثلاثة متساويا كما ستحصل الأخت على نصف حصة الذكر منهم بالرغم من عدم مساهمتها في بناء المنزل فلم يدفع الجميع في البناء مبالغ متساوية فالقادر ماليا ساهم بمبلغ لا شك أكبر من غيره والسبب الرئيسي للخلاف الذي قد يحدث بينهم عدم وجود ما يثبت حق كل شخص ولا يعلم أحدهم مقدار ما قدمه الآخر, طبعا ازدادت صحة الأب سوءا وبدأ قلقه يزداد خوفا مما قد يحدث بين أبنائه ويؤدي إلى خلافات تصل بهم إلى المحاكم ولكن ما الحل فلا بد أن يخسر أحدهم على حساب الآخرين فقد يثور الخلاف إما في حالة رغبتهم في بيع المنزل أو حتى في حالة الإيجار, في الحقيقة هذه مشكلة من ضمن عشرات بل مئات الحالات التي تؤدي إلى تفكك الأسر إما لعدم الوعي بالإجراءات القانونية التي يجب أن يتخذوها أو خجل أحدهم في المطالبة بتوثيق حق كل فرد ورصد المبالغ التي يقدمها خوفا من المستقبل الذي لا يستطيع أحد أن يضمن ما قد يحصل فيه ففي رأينا أن هذه المشكلة سببها الأساسي عدم اللجوء إلى الإجراءات القانونية السليمة بسبب العاطفة أو الخجل كما قد يكون سببها الثقة, لهذا يجب على كل فرد دائنا كان أو مدينا أن يبرئ ذمته من أية حقوق للغير أو حتى شكوك ويكون حريصا دائما بأن يحوز ما يثبت حقه لدى الغير أو حق الغير لديه... فالقانون لا يعترف إلا بالأوراق والمستندات أما من الناحية الإنسانية والأخلاقية فيجب تحكيم الضمير والاعتراف ولو نسبيا بحق الأخ الذي دفع الجزء الأكبر أما الأخت فيتحتم عليها التنازل عن نصيبها في المنزل والاكتفاء فقط بنصيبها الشرعي من قيمة الأرض التي يمتلكها الأب خاصة وهي على يقين أنها لا تستحق نصيبا من القيمة الكاملة للمنزل لذا يجب على الجميع ترك العواطف والخجل جانبا والاستعانة بذوي الخبرة والمعرفة في ترتيب الحقوق لعدم ضياعها وهذا لا يتطلب دائما الالتجاء إلى المحاكم بل يجوز الاكتفاء بالأوراق العرفية ويقصد بها التي يقوم بتحريرها الأفراد فيما بينهم ولكي يكون المحرر رسميا يجب أن تتوافر فيه شروط معينة مثل كتابته من قبل موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة كما ينبغي أن يتم تحريره وفقا للأوضاع القانونية ومتى توافرت هذه الشروط وكان شكله الخارجي يؤكد رسميته يعد المحرر الرسمي دليلا كافيا دون حاجة لإقراره, كما هو الحال بالنسبة للمحرر العرفي الذي لا يعد دليلا للإثبات إلا بإقرار الشخص الذي قام بتوقيعه لأنه إذا لم يقر أو حاول الإنكار كان على من يتمسك به إيجاد الدليل على صحته وأهم ما يشترط في المحرر العرفي التوقيع عليه في الواقع يؤسفني جدا ما يحدث من تفكك وتباعد بين أفراد الأسرة المتميزة بعلاقاتها التي تتسم بالحب والوئام ما يجعلني أؤكد دائما على ضرورة الحرص والحذر عند المشاركة في الشؤون المالية حتى لا تفسد تلك العلاقات التي لولا المال لاستمرت حياتهم دون ما يعكر صفوه..

· أكاديمية ومستشارة قانونية في جامعة الملك عبدالعزيز