منذ ساعات

جريدة الوطن

الملف الصحفي

العلاقة بين الشريعة والقانون تكاملية وليست إقصائية

جريدة الوطن الخميس - 3/7/1425هـ ) الموافق 19 / أغسطس/ 2004 - العدد 1420

العلاقة بين الشريعة والقانون تكاملية وليست إقصائية

علاء عبدالحميد ناجي
إن العلاقة ما بين الشريعة والقانون كما بينا في مقالنا السابق علاقة تكاملية وتبادلية وليست علاقة إقصائية بحيث إن الأخذ بأحدهما لا يعني على الإطلاق وجوب عدم الأخذ بالآخر.
فهذه الفكرة عن العلاقة الإقصائية ما بين الاثنين مأخوذة من المفهوم المسيحي المعاصر القائم على أساس الفصل التام ما بين الكنيسة والسلطة الحاكمة فهي كما يقول ستيفن فيلدمان في كتابه القانون والدينعلى الرغم من الأثر البين لكل من الدين والقانون في الآخر إلا أنه يتوجب علينا لأن نتطور أن نفصل الاثنين عن بعضهما البعض وأن نتعامل مع كل منهما على أنه منفصل عن الآخر وقد لاقت هذه الفكرة قبولا في خلفية العقل العربي من بابين أحدهما هو باب التبعية العمياء للغرب والآخر هو أن العقل العربي منغمس في العيش على نمط الثنائيات الإقصائية أو المتناقضة، فالعقل العربي دائما يفكر في كون الشيء أبيض أو أسود ويرى أن أي لون بينهما ضرب من التنازل غير مقبول إطلاقا ولهذا دائما نسمع عن التنافر الحاصل بين الشريعة والقانون، والشورى والديمقراطية، العلمانية، والأصولية وعد البعض ميزة أن سمح على شاشاته بالرأي والرأي الآخر.
فالشريعة كما يعبر عنها برنارد وييس (وهو غير برنارد لويس) في كتابه الرائع روح التشريع الإسلامي تشمل القانون وأشياء أكثر بكثير من القانون، إن الشريعة أشبه ما تكون بدستور الدساتير الذي تستقي منه القوانين أبعادها وتفاصيلها ولا يمكن لها أن تخرج عن إطارها، وهذا الإطار محدد في النصوص القطعية الدلالة والثبوت وما ثبت من مقاصد الشرع العامة.
ولتبسيط الصورة أود أن أمثل للشريعة بأنها إطار جميل رحب للوحة بيضاء ناصعة كبيرة للإنسان أن يرسم فيها ما يشاء من القوانين كيفما شاء دون قيد أو شرط اللهم إلا شرط التوافق مع المقاصد التي وضع لها الإطار، وبالتالي فإن محتوى اللوحة لا يتحكم فيه الإطار وإنما قدرة الرسام (المقنن) وأدواته وذوقه.
وحين أخص الإطار بقطعي الثبوت والدلالة دون غيرهما من النصوص فإني أضع أكبر أبعاد ممكنة للإطار، وبالتالي فإن أي تأويل للنصوص أو رأي فقهي مهما كانت حجيته وأسانيده لا يمكن أن يدخل في مكونات الإطار وإنما يمكن أن يدخل ضمن عناصر لوحة لرسام.
وقطعية الدلالة تخصيص للمخصص حيث إنه لايمكن المحاجة في أن القرآن كله قطعي الثبوت وكذلك كل ما قرر علماء الحديث ثبوت سنده وروايته من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولكن معظم آيات الأحكام في القرآن والأحاديث ذات البعد التشريعي غير قطعية الدلالة بمعنى أنها تترك مساحة للاجتهاد في تحديد القصد منها.
وعلى هذا فإن هناك عنصرين لابد من النظر إليهما قبل الحكم على مدى دخول القانون المرسوم في إطار الشريعة أو خروجه عنه ومدى اعتباره إسلاميا من عدمه وهما:
1) عدم المخالفة لمحصلة نصوص الكتاب والسنة قطعية الدلالة والثبوت.
2) التوافق مع مقاصد الشرع.
فإذا استجاب القانون لهذين الاختبارين كان داخلا في الإطار واعتبر إسلاميا (إذا أصرينا على استخدام هذه الصفة) بغض النظر عن
مصطلحاته ومن هو المقنن والعكس صحيح.
فعلى سبيل المثال، إذا أردنا أن نضع قانونا يحدد المسؤولية المدنية عن القتل الخطأ فلا بد أن ننظر إلى مدى توافقه مع مبدأ الدية الثابت بقطعي القرآن والسنة، فإذا كان القانون يلغيها أو يخالفها يعد خارجا عن الإطار أما إذا أقر المبدأ بكامله يكون القانون مشروعا، أما تحديد قيمة الدية المالية اليوم مسألة اجتهادية إذ للمقنن لكي يحقق مقصد الشريعة من الدية أن ينظر في آلية تحويل القيمة المحددة من الرسول صلى الله عليه وسلم بعدد معين من الإبل إلى مبالغ نقدية بالعملة التي نعرف اليوم، فللمقنن أن ينتهج منهج التحويل البسيط بأن ينظر في متوسط قيمة الإبل اليوم ومن ثم يقنن قيمة الدية بالأوراق النقدية، كما أن له أن ينتهج منهج التحويل المركب بأن يقوم بدراسة علمية لتقييم القيمة الاقتصادية للإبل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم يعبر عنها بلغة الأوراق النقدية اليوم ولكل منهج من هذين المنهجين نتيجة مختلفة ليس هذا المقال محل تفصيلها ولن تكون أي من هاتين النتيجتين خارج الإطار.
وفي المقابل فإن التقنين قد يكون غير مخالف للثابت من قطعي الدلالة من النصوص ولكنه يحيد عن مقصد من مقاصد الشريعة لتكون موافقته لها هنا موافقة تكتيكية أو صورية لا حقيقية، ومن ذلك في منظوري الشخصي الكثير من آليات الإقراض في البنوك السعودية المختوم عليها بختم متوافق مع الشريعة الإسلامية إلا أنها في الحقيقة تكرس دور الربا المحرم شرعا بآلية شرعية.
والمقاصد قد تكون في حالات الطوارئ مقدمة على النصوص ومن ذلك تعليق عمر بن الخطاب لحد السرقة في عام الرمادة لحالات محددة، أما في الحالات الطبيعية فإن النصوص والمقاصد صنوان إذا خالف القانون أحدهما خرج عن إطار الشريعة ولم يعتبر إسلاميا.
وعلى هذا فإننا نرى أن لا مجال لأن نتعامل مع الشريعة والقانون على أنهما ضدان لا يمكن لهما التكامل معا ولابد لأحدهما أن يطرد الآخر بل على العكس من هذه النظرة فإن القانون مطلب رئيس لتطبيق الشريعة تطبيقا صحيحا على مستوى الأمة وتوافق القانون مع الشريعة ضمان للأمة بتطبيق حكم الله، وأخيرا أطلب من قارئ وقارئة المقال أن يتفضلوا علي بقراءة آيات ومن لم يحكم بما أنزل الله ويتمعنوا في سبب التدرج في الصفات المذكورة فيها الكافرون الظالمون الفاسقون.

* مستشار قانوني