جريدة الرياض - الخميس 14
شوال 1436 هـ - 30 يوليو 2015م - العدد 17202
تأخرنا كثيراً في فرض قانون يحمي الأسرة وينتصر للعدالة.. ومازلنا ننتظر قرار الحسم
مختصون : نحتاج إلى نظام يُعنى بقضايا الأحوال الشخصية للحد من الاجتهادات الخاطئة
تنامي قضايا الأحوال الشخصية المنظورة في المحاكم
الرياض، استطلاع -
عبدالعزيز الراشد
لا يختلف أحد على ما وصل إليه المرفق
العدلي في المملكة من تطور لافت شمل جميع مرافقه وأعماله؛ وذلك بفضل الدعم السخي
الذي يأتي ضمن إطار مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء وتحديداً من
خلال تخصيص محاكم للأحوال الشخصية وكذلك التوسع في افتتاح باقي المحاكم في مختلف
محافظات ومناطق المملكة، إلا أن ذلك المرفق المهم مازال ينتظر مزيداً من القرارات
لاستكمال مسيرة التطوير والنماء وذلك عبر تشريع الأنظمة والقوانين الكفيلة لحماية
الأسرة وانتصاراً للعدالة وسيادة القانون والذي يكمن في إقرار نظام يُعنى بقضايا
الأحوال الشخصية؛ بهدف الحد من الاجتهادات الخاطئة ومنع التفاوت الكبير بين الأحكام
القضائية وحفظ الحقوق ورفع كفاءة القضاء والمساعدة في استقرار الأوضاع الأسرية.
د. الطيار: غياب الأنظمة المتخصصة
أفرز مشاكل في المجتمع
وطرحت «الرياض» مع عدد من المختصين أهمية إقرار نظام للأحوال الشخصية؛ بهدف حماية
الأسرة من التفكك والضياع، والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات والحد من
تفاوت أحكام القضاء.
اجتهادات خاطئة
يقول محمد بن سعود الجذلاني محام وقاضٍ أسبق، إن قانون الأحوال الشخصية هو جزء من
قضية تقنين الأحكام الشرعية على شكل مواد نظامية وإلزام المحاكم بتطبيقها، مضيفاً
أن «هذا الموضوع محل جدل طويل ومعقد منذ سنوات طويلة وليس جديداً»، مؤكداً أن الفكر
السائد في القضاء والإفتاء الشرعي مازال يرفض ويمانع ضد فكرة تقنين الأحكام
والإلزام به، إلا أنه في عهد الملك عبدالله - رحمه الله - حصل تطور ٌ كبير تمثل في
إقرار هيئة كبار العلماء لجواز تدوين الأحكام الشرعية القضائية، ثم صدر أمر الملك
عبدالله -رحمه الله- بتشكيل لجنة عليا من عدد من العلماء وكبار رجال القضاء تتولى
تدوين الأحكام الشرعية التي يحتاج إليها القضاء، ولم يتضمن الأمر بشكل صريح هل هذا
التدوين سيكون ملزماً للقضاء أو لا؟».
البيشي: القرار جريء ومحفز وتاريخي ويصب
في مصلحة الأسرة والفرد والمجتمع
وأشار إلى أن «اللجان الفرعية قد انتهت من مشروع تدوين الأحكام ورفعته للجنة العليا
وننتظر صدوره بشكل نهائي ليتضح هل سيكون ملزماً أم مجرد استرشادي»، موضحاً أن تقنين
أحكام الأحوال الشخصية مهم للغاية لكنه ليس أكثر أهمية من تقنين الأحكام الجزائية
والعقوبات وكذلك تقنين أحكام المعاملات المالية والحقوقية، مضيفاً أن «الذي يعرف
إمكانيات القضاة في الحاضر يعلم تماماً الحاجة الماسة إلى فرض مشروع تقنين الأحكام
للحد من الاجتهادات الخاطئة ومنع التفاوت الكبير وغير المقبول بين الأحكام القضائية
وحفظ الحقوق ورفع كفاءة القضاء».
الجذلاني: النظام سيحد من الاجتهادات ويمنع التفاوت بين الأحكام القضائية
سلطة تقديرية
فيما أشار د. تركي بن عبدالله الطيار محام وقاضٍ أسبق، إلى أنه أضحى لزاماً على
الدول المتقدمة في الوقت المعاصر إذا ما أرادت التنمية والتطور، تطبيق أنظمة من
شأنها تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة وهي الوصول للنتائج الصحيحة وتقليل عبء المدة
الزمنية للمستفيدين وكذلك التيسير على الأطراف المعنية، مشيراً إلى أنه بالنظر إلى
مشاكل الأسرة من طلاق وخلع ونفقة وحضانة أو مشاكل التركات، نجد أن غياب الأنظمة
المتخصصة التي تحكمها أفرز للمجتمع مشكلات أبرزها: تعقيد الإجراءات أحياناً وطول
المدة التي ينتظرها الأطراف في المحاكم لإنهاء النزاع، ذاكراً أنه ترد إلينا قضايا
أسرية عديدة تمكث سنوات لأجل طلاق فقط، ولذا فإن صناعة نظام يحكم ويضبط مسائل
الأحوال الشخصية في هذا الوقت يعد أمراً في غاية الأهمية متى ما حقق أهدافه الثلاث.
العُمري: التشريع ينظم نصوص مراحل الحياة الزوجية كافة
وقال: «إذا اطلعنا على التعقيد في الإجراءات أحياناً والسنوات التي تضيع على
المعنيين بقضايا الأحوال الشخصية في المحاكم والجهات الأخرى، ومدى الضرر الذي يقع
على هؤلاء جراء ذلك، فمثلاً يتأخر قاض على فتاة في تطليقها سنوات يذهب معها الخطّاب
ولا نجد أمام القاضي حينها نصوص نظامية من شأنها الإلزام والتسهيل للقاضي بالإسراع
في الإنجاز، وقد يتأخر المنزل في بيعه ليتضرر معه الورثة وقد أعمل القاضي حينها
سلطته التقديرية التي لولاها عند تطبيق نص لأُنجز الأمر سريعاً»، لافتاً إلى حاجة
القضاة أنفسهم لمثل هذا النظام ليسهل عملهم ويجعله أكثر دقة وقربا من الصواب،
مرجعاً سبب عدم تطبيقه؛ لأن هناك فريق من القضاة ضد وجود الأنظمة من ناحية وهناك
فريق عدده أكبر ضد التقنين من ناحية ثانية.
د. تركي الطيار
محمد الجذلاني
مُشكلات تواجهها المحاكم
وأشار إلى أن هذا أعاق ظهور كثير من الأنظمة التي يحتاجها الناس، ذاكراً بأننا لا
نلوم القضاة هنا إذ هم يرون ما يؤول اجتهادهم إليه، إلا أننا نأمل تخطي هذه المرحلة
لازدياد المشكلات مع مرور الزمن نتيجة تأخر بعض الأنظمة المهمة ومنها نظام الأحوال
الشخصية، موضحاً أن أبرز المشكلات التي تواجهها المحاكم من دون تطبيق نظام الأحوال
الشخصية تكمن في عدم القدرة على توحيد الاجتهادات في بعض الأحكام لدى قضاة الموضوع
وعدم القدرة على توحيد الاجتهادات في بعض الإجراءات لدى قضاة التنفيذ وكذلك التأخر
في إنجاز كثير من القضايا، مبيناً أن «غياب التنظيم الدقيق الجامع لهذه المسائل
يجعل القضاة مجبرين على إعمال الاجتهاد الذي يختلف باختلاف حال المجتهد»، مؤكداً
على أنه من الضروري في الوقت الحالي إقرار وتطبيق نظام الأحوال الشخصية إذ به تتيسر
الحاجات وتفرج الكربات ويتعجل الإنجاز ويرفع عن قضاتنا حرجاً كبيراً في الذمم ونكون
أمام أحكام وإجراءات أكثر دقة وصحة من ذي قبل.
النزاعات الأسرية
وأكد سعيد بن أحمد العُمري - محام، إن قضايا الأحوال الشخصية لها تأثير كبير في
الأسرة والمجتمع وكلما طال أمد النزاع انعكس سلباً في حياة الأسرة وأفرادها وخاصة
الصغار، مبيناً أن جميع النزاعات الأسرية تحدث في الأسر المبتدئة لحياتها والتي لم
تتجاوز العشر سنوات لصعوبة التكيف مع المرحلة الجديدة في الحياة ولأنهم لم يبلغوا
سن الحكمة المطلوبة لاستقرار الأسرة ويعني ذلك أنها تتكون من أطفال صغار يتأثرون
بالذي من حولهم، ونادراً ما نجد منازعات في الأسر التي تكيفت مع أوضاعها.
خالد البيشي
سعيد العُمري
وقال إن قضايا الأحوال الشخصية والأسرية عموماً سواء كانت متعلقة بالطلاق أو النفقة
أو الحضانة أو النشوز أو الخلع أو خلافه من النزاعات تمثل نسبة 60 في المئة تقريباً
من القضايا المرفوعة، مؤكداً أن المرأة قد كرمها الله سبحانه وتعالى، وأن قضاياها
كانت إلى عهد قريب تمر بمراحل مختلفة ومنفصلة فإذا حكمت المحكمة بالطلاق تقام دعوى
أخرى للنفقة ودعوى ثالثة للحضانة والفصل في كل دعوى يحتاج لأكثر من سنة وكانت
قضاياهم موزعة بين دوائر المحكمة العامة، كما كان بعض القضاة متسامحين مع تخلف بعض
الأطراف في حضور الجلسات وهذا الأمر استمراه البعض طالما يحقق له أغراضه، مشيراً
إلى أنه بعد أن تم إنشاء دوائر للأحوال الشخصية وتم فصلها من المحاكم العامة في
مبنى مستقل نجد أنه ساهم في رفع إيقاع البت في قضايا الأحوال الشخصية وتيسير بعضها،
ولكن ليس بالصورة المطلوبة وخاصة أنها في بداياتها ولم تكمل العام وأفضل حلاً من
أداء المحاكم في السابق الذي كان بطيئاً جداً.
تقنين المدونات
وأشار إلى أنه حتى نجني ثمار إنشاء دوائر خاصة بالأحوال الشخصية لابد من إصدار نظام
مستقل للأحوال الشخصية، لأن محاكم الأحوال الشخصية تعتمد على مدونات الأحكام
القضائية التي تصدرها وزارة العدل، أي أنها ترجع للسوابق القضائية في أحكامها
وبالتالي هي تعتمد على مدونات عديدة تأخذ من وقته ومجهوده وكذلك الرجوع لبعض الكتب
الفقهية في حالة عدم تطابق القضية التي أمامه بما هو مدون في تلك المدونات، فلماذا
لا نقنن تلك المدونات في شكل تشريع يطلع عليه الكافة ليعرف كل شخص حقوقه وواجباته
؟، موضحاً أن غالبية الناس ليس لهم معرفة بوجود تلك المدونات وحتى كيفية التعاطي
معها، مشدداً على أن وجود تشريع يساعد في استقرار الأوضاع الأسرية وأن كل شخص فيها
يدرك عواقب ما يصدر منه من فعل أو قول.
إصدار تشريع أصبح ضرورة
ولفت العُمري إلى أن التشريع ينظم على نصوص كافة مراحل الحياة الزوجية من الخطبة
والمهر والزواج والطلاق والنفقة والحضانة والنشوز وخلافه وانقياد الزوجة (بيت
الطاعة) وزيارة الأولاد، مضيفاً أنه وبحسب علمه كان هناك مشروع نظام موحد للأحوال
الشخصية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولكن لم يتم إجازته حتى الآن،
مبيناً أنه قد سبقتنا دول عربية وخليجية مثل مصر والسودان والكويت في إصدار قانون
للأحول الشخصية وتضمن أبواب وفصول ومواد، ذاكراً أنه لن تعُّرف قيمة نظام الأحوال
الشخصية إلا بعد إقراره والعمل به لأن مثل هذا النظام يرجع فيه إلى المشهور في
المذهب الفقهي بتلك البلدان وفي حالة عدم وجود حكم أصلاً يرجع للمبادي العامة في
ذلك المذهب، مشدداً على أن إصدار تشريع للأحوال الشخصية أصبح ضرورة ويتوافق مع
العدالة التي تؤدي إلى سرعة البت في قضايا الأسرة ويضمن حقوق الأطراف والأبناء
والبنات، ونجد أن بعض النظم اشتملت على بعض حالات القضايا الشرعية وحددت لها طرق
تنفيذ وعقوبات في حالة عدم تنفيذها.
قرار تاريخي
وشدد خالد البيشي - مستشار وباحث اجتماعي، على أن مثل هذا القرار الجريء المحفز
التاريخي يعُتبر نقلة نوعية إلى أبعد حد ويصب في صالح الأسرة والفرد والمجتمع وذلك
يكمن بأن تحظى تلكم الأسرة وتحديداً ذلكم الجناح المنكسر ألا وهي المرأة ويجعل من
شأنها ويعلي من قدرها فهي كانت ولازالت تأن إلى وقت قريب من ضياع الكثير من حقوقها،
مشيراً إلى أن قانون الأحوال الشخصية سيُسهم في حفظ حقوق الأسرة وفق سيادة القانون
وبرعاية قوية من الدولة؛ الأمر الذي يجعل لها قوة وثقة بنفسها وكذلك تعزيز مكانتها
وقيمتها، موضحاً أنه لو نظرنا للماضي القريب جداً نجد أن الكثير من التعسف يتخذ
بحقها سواء كان عن طريق الجهل إذا أحسنا الظن برب الأسرة أو ممن يعول تلكم الأسرة.
نظرة قاصرة
وأشار إلى أننا كم نعرف من الأسر التي فقدت معيلها - بعد الله - لم تحظ بيوم من
الأيام بالرحمة والعدالة، وذلك لأن مصدر التحكم إما أن يكون أباً جاهلاً أو طاعناً
بالسن أو أخاً متسلطاً، مضيفاً أنه من هنا يتضح لنا جلياً أهمية القرار في حال
تطبيقه، لافتاً إلى انتظار الكثير من الأسر لمثل هذا القانون والذي سوف يبين حياة
الأسرة بصفة خاصة، ذاكراً أن هناك شريحة أيضاً مازالت تعاني من ضياع حقوقها ألا وهم
المطلقات وما يندرج تحتهم من أرامل وفتيات ليس لهم معيل، مبيناً أن نظرة بعض من
يعول المرأة سواء كانت الأسرة أو الدوائر الحكومية تكون نظرة قاصرة و نظرة فيها نوع
من التجني، مضيفاً أننا أيضاً كم نعرف من القضايا التي كانت تحتاج المرأة إلى الفصل
فيها من قاضي تختلف نظرته عن الأخر ومن مرونة إلى مرونة ومن نظرة سوداوية إلى
إيجابية، مبيناً أنه بقوة النظام وسيادته نستطيع حفظ حقوق الأسرة باعتباره الرادع
الذي تحتمي به لتشكل لها نوع من الحماية والخصوصية، لافتاً إلى وقوفه شخصياً لمدة
عقدين من الزمن على واقع كثير من الأسر ممن توفي زوجها ولديها ورث على سبيل المثال
وكذلك وقوفه لكثير من الأسر في هذا المجال فوجد المماطلة بعيدة المدى وبالتالي تكون
المرأة وأطفالها أمام ذلكم الشخص فيماطل في قضيتها، مضيفاً أن هناك على مستوى
الأسرة أبا قد يكون معدداً وتأتيه ابنته المطلقة أو ابنته الذي توفي زوجها ولا يلقي
لها بالا أو قد يقوم مكان خدمتها أحد إخوانها لكن بمقابل مادي فيفرض عليها أن تعطيه
جزء كبير من ورث زوجها، ومن هنا يقع الاستغلال فتكون ضحية وعرضة للابتزاز وهذا
الأصعب.
استغلال ضعف الأسرة
ولفت المستشار والباحث الاجتماعي إلى أننا نجد الأيادي المتلاطمة على جناح المرأة
قد تمتد إلى بناتها أو أبنائها حينما يكونون في سن المراهقة فينظر بعض من يضطر بأن
يزوج ابنته تحت ضغوط من زوجته، لأن لديها أبناء وبنات فتقول (فكنا من بنتك وعيالها)
فيضطر إلى أن يزوجها أي شخص وقد يكون هذا الشخص غير سوي فيهمل حقوقها بل قد يستغل
بناتها بمواضيع شخصية تافهة، موضحاً أنه من هنا تأتي أهمية تطبيق قانون الأحوال
الشخصية
مقدماً شكره لمن كان سبباً في دعم هذا القانون وتذليل كافة الصعاب من أجل تحقيقه؛
ما سيُسهم في ردع النفوس الضعيفة ويعزز من مكانة المرأة وأبنائها وأطفالها. وأضاف:
«نعم هي خطوة متأخرة جداً ولكن أن تصل متأخرا أفضل بكثير من أن لا تصل في ظل تزايد
المشاكل الأسرية والاجتماعية في الآونة الأخيرة، مطالباً بأن تتكاتف الأيادي لكي
يرى هذا القرار النور في حين نجد أن كثيرا من ضعاف الأنفس يعلمون بأن القرار سوف
يتخذ يوماً ما لذا فهم يحاولون دائماً إلى التسرع في استغلال الفرص»، مضيفاً «أنه
يجب علينا من هذا المنطلق أن نراقب من يحاول استغلال ضعف الأسرة وهيامها في قضياها
في الوقت التي لم تجد طريقاً أو متنفساً أو قانوناً يحميها»، متمنياً بأن «يكون
هناك حماية لهم حتى لو كانت مؤقتة إلى حين إقرار النظام وأن تتخذ على غرار هذه
الخطوة خطوات مماثلة لتكون نبراسا وانطلاقة خير في كثير من القضايا الأسرية
والاجتماعية والتربوية».
النظام وفقا لآخر تعديل -
مرسوم ملكي رقم م/7 بتاريخ 20/4/1407هـ بالموافقة علي نظَام الأحوال المدنية
مرسوم ملكي رقم م / 78
بتاريخ 19 / 9 / 1428هـ بالموافقة علي نظام القضاء
قرار وزير الداخلية رقم 27910 / 39 بتاريخ 5/6/1432هـ بالموافقة على إعتماد
اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال المدنية
ارتفاع نسب قضايا «الأحوال الشخصية»
المنتهية بالصلح إلى 80 في المئة