منذ ساعات

الملف الصحفي

مشكلة مراجعي الحسابات مع نظام الشركات السعودي

جريدة الاقتصادية - السبت 29 جمادى الأول 1433 هـ. الموافق 21 إبريل 2012 العدد 6767

مشكلة مراجعي الحسابات مع نظام الشركات السعودي

د. محمد آل عباس
أظهرت قضايا الشركات المساهمة السعودية، ومنها شركة المتكاملة وشركة بيشة، تنامي مشكلة مراجعي الحسابات مع نظام الشركات السعودي. بدأت المشكلة عندما صدرت أول حزمة من معايير المراجعة عام 1984 هـ من وزارة التجارة وذلك قبل إنشاء الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين عام 1992هـ، ثم لم تقم الهيئة من ذلك الوقت وحتى الآن بأي تحديث لتلك المعايير. في معيار تقرير المراجعة (وهو أحد تلك المعايير التي صدرت عام 1984هـ)، تشير فقرة التعبير عن الرأي (الفقرة 3541) إلى أنه ''يجب على المراجع أن يعبر بصراحة عن رأيه في فقرة مستقلة يبين فيها ماذا كانت القوائم المالية ككل: (أ) تظهر بعدل المركز المالي للمنشأة، (ب) تلتزم بمتطلبات نظام الشركات والنظام الأساسي فيما يتعلق بإعداد وعرض القوائم المالية''. القفرة (ب) هذه هي مدار المشكلة.
ففي مقابل نصوص هذا المعيار تأتي المادة رقم (132) من نظام الشركات السعودي الصادر عام 1964، لتقرر أن على مراقب الحسابات أن يقدم إلى الجمعية العامة العادية السنوية تقريراً يضمنه موقف إدارة الشركة من تمكينه من الحصول على البيانات والإيضاحات التي طلبها، ''وما يكون قد كشفه من مخالفات لأحكام هذا النظام أو أحكام نظام الشركة، ورأيه في مدى مطابقة حسابات الشركة للواقع.
فالخلاف يأتي واضحا في أن النظام يطلب من المراجع أن يخبر الجمعية العمومية في تقريره عن أيه ''مخالفات'' قامت بها الشركة لنظام الشركات ''ككل''، فعلى المراجع أن يقوم بالتقرير ''فقط'' عند ظهور المخالفة وليس عليه أن يؤكد في كل تقرير عن مدى ''الالتزام بالنظام''، وهو المعنى الذي جاء في تقرير المراجعة. والفرق بين الحالتين كبير. فوفقا للنظام إذا لم تكن هناك مخالفات فلا يذكر المراجع في تقريره شيئا، وإذا ظهرت المخالفة يوضح ذلك فورا، بينما معيار المراجعة ينص على ذكر الالتزام دائما كفقرة مستقلة في التعبير عن الرأي.
وعلى الرغم من أن معيار التقرير السعودي ألزم المراجع بما لم يلزمه به النظام، إلا أنه عاد وقيد ذلك الإلزام بطريقة خالفت نص النظام، فالمعيار ألزم المراجعين بالتأكيد على مدى الالتزام بنظام الشركات، ولكن فقط ''فيما يتعلق بإعداد وعرض القوائم المالية''. هذه حالة فريدة جعلت الخلاف بين المراجعين واسعا جدا وله آثار خطيرة بدأت تظهر مع تطور السوق المالية، لعل آخرها مشكلة ''المتكاملة للاتصالات'' التي لن تكون الأخيرة.
وهكذا فالمشكلة أن النظام طالب بالإفصاح عن أي مخالفات للنظام، ومعيار التقرير يقول بالإفصاح عن الالتزام بالنظام ''فقط'' فيما له أثر على القوائم المالية. فوفقا للمعيار إذا وجد المراجع أثناء مراجعته للقوائم المالية مخالفات لنظام الشركات (كعدم انعقاد الجمعية التأسيسية، أو كعدم الالتزام بإيداع الحصص النقدية أو تنفيذ بعض الشروط) فإن المراجع لن يشير إليها في تقريره وقد لا يلفت الانتباه لها أبدا بل قد يحدث العكس من ذلك بأن يؤكد التزام الشركة بالنظام رغم هذه المخالفات الصريحة جدا. والسبب أن عدم عقد الجمعية التأسيسية أو عدم تنفيذ بعض الشروط التعاقدية قد لا يكون له أثر على القوائم المالية، وهنا يلتزم المراجع بنص المعيار السعودي وينسى نص النظام. وبرغم وجود مواد تنص صراحة على ضرورة التبليغ إذا وجدت مخالفات ولو لم تمس عدالة القوائم المالية، ومنها المادة (68) التي تنص على أن يكون عضو مجلس الإدارة مالكا لعدد من أسهم الشركة، وأن على مراقب الحسابات أن يتحقق من مراعاة حكم هذه المادة، وأن يضمن تقريره إلى الجمعية العامة أية مخالفة في هذا الشأن. فهذه المخالفة لو حدثت لن تؤثر على عدالة القوائم المالية، ولكن إذا التزم المراجع بها خالف المعيار وإذا التزم بالمعيار خالف المادة.
من المعروف أن للنظام قوة قانونية أكبر من قوة المعيار، وعند الخلاف فإن المحاكم لن تأخذ بنص المعيار بل بنص النظام وذلك بدا واضحا في مشكلة مراجع شركة بيشة مع مجلس إدارتها السابق فلم يكن مدار الخلاف في ديوان المظالم هو المعايير المحاسبية ومقتضياتها، بل نص مواد نظام الشركات وتفسيراتها. لكن الغريب أن يصدر القرار الوزاري رقم (2217) وتاريخ 1/11/1423هـ بشأن الرقابة الداخلية في الشركات المساهمة الذي يلزم الشركات المساهمة بأن تقدم إقرارا يشهد بموجبه الموقعون على هذا الإقرار على عدة قضايا تعزز درجة الإفصاح والشفافية في القوائم المالية، ثم يطلب القرار من الشركة أن ترفق بهذا الإقرار استبانة التحقق من استكمال متطلبات نظام الشركات ''ذات العلاقة بكفاية إعداد القوائم المالية''. فالقرار الوزاري يعزز فهم المراجعين للمعيار، بينما يخالف بجدارة نص المادة رقم (132) التي تطالب بالتقرير عن المخالفات ''فقط'' ولو لم تؤثر على القوائم المالية. فكيف يأتي قرار وزاري يخالف نص النظام.
لذلك فإنني لا ألوم المراجعين في حالة التضارب في الآراء تجاه هذه النقاط الجوهرية جدا، التي من المتوقع أن تزداد حدة من قرار مجلس إدارة الهيئة السعودية للمحاسبين التحول للمعايير الدولية، حيث لم ينص المعيار الدولي على موضوع الالتزام بأنظمة الشركات، والنظام السعودي ينص على ذكر المخالفات والمحاسبون دوما يتذكرون المعيار ويغفلون عن النظام.

مرسوم ملكي رقم (م/6 )بتاريخ 22/3/1385هـ بالموافقة علي نظَام الشركات
مرسوم ملكي رقم م/12 بتاريخ 13/5/1412هـ بالموافقة على نظَام المحاسبين القانونيين
قرار وزاري رقم (2217) بتاريخ 01/11/1423 بشأن الرقابة الداخلية في الشركات المساهمة
(أنظر المادة 132 من نظام الشركات)