منذ ساعات

جريدة الاقتصادية

الملف الصحفي

ارحموا مَن في الأرض

جريدة الاقتصادية، الأربعاء 4 جمادى الآخرة 1425هـ الموافق 21/ 7/ 2004 العدد 3936

ارحموا مَن في الأرض

د. عبد الرحمن عبد الله آبار
خلت اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاونية خلت من حفظ حقوق المؤمِّنين التي غرقت في بئر ارتوازية ومع ذلك لم يجد الدكتور عبد الإله ساعاتي غضاضة في أن يصف اللائحة التنفيذية للنظام بأنها تجسيد للفكر الوطني المهني الحديث وأكمل من عندي العنوان في إهدار حقوق المؤمِّنين.
المتتبع لنشاط وقرارات بعض الوزراء قد تعقد لسانه الدهشة ويصاب بالصدمة والترويع لما قد يلمسه من تناقضات، وإذا أراد متابعة أسباب هذه التناقضات فقد يصاب بحالة وسواس قهري أو إحباط.
وموضوع هذا المقال يتعلق بموضوع التأمين الذي مس ويمس مصالح عدد كبير من المؤسسات والشركات الوطنية، لا سيما بعد أن قررت الدولة أخيراً الاعتراف به بعد طول إنكار أدى إلى ضياع حقوق كثير من الناس.
ولما كان النظام الجديد وردود فعل الجهات المعنية وتفسيراتهم له لا تبشر بخير وشيك أو وضوح رؤية يضع حداً لسنوات التيه فقد رأيت أن أوجه هذه المقالة في شكل برقية مباشرة إلى معالي وزير التجارة والصناعة أولاً ثم بقيمة المسؤولين عن موضوع التأمين على أمل أن يستمعوا القول فيتبعوا أحسنه، وأن تلين قلوبهم لأصحاب القضايا المعلقة لدى وزارة التجارة قبل أن تتلاشى شركات التأمين القائمة حالياً ووكلاؤها المحليون خلال المهلة التي منحها لهم النظام الجديد ولائحته التنفيذية.
التأمين.. سنوات التيه.
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه، كثير من المواطنين الذين مسَّت مصالحهم القرارات المتضاربة، والصلاحيات المبهمة والمتداخلة في موضوع التأمين يرددون هذا الدعاء باستمرار فهم أحوج ما يكونون إلى لطف الله وعنايته خصوصاً بعد صدور اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، التي أبهمت ما كان واضحاً جلياً وزادت المبهم إبهاماً ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالتأمين الذي لم يكن لحين من الدهر شيئاً مذكوراً، كان ساحة خصبة لكثير من الشركات العاربة والمستعربة التي تمكنت من دخول السوق السعودية مستغلة غياب الرقابة التنظيمية فحصدت على مدى خمس عقود أو أكثر مليارات الريالات دون ما رقابة حقيقية على أنشطتها داخل المملكة، وكما قلنا في بعض مقالاتنا السابقة أن ولاة الأمر انتبهوا إلى خطورة الوضع وحساسيته فاستندوا إلى وزارة التجارة ولاية الفصل في منازعات التأمين عن طريق التحكيم، فكان أن تراكم على مدى خمسة عقود إرث كبير في الأعراف والقواعد النظامية القيمة المتعلقة بنشاط التأمين.
التأمين بين غياب التنظيم ومأزق النظام
عقب صدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، استبشر الكثيرون خيراً لا سيما أولئك الذي اكتووا بنار الشركات الوهمية التي وجدت طريقها إلى السوق السعودية، فكتبنا في إحدى مقالاتنا ننبه إلى ضرورة معالجة وضع الشركات القائمة التي ستجد في النظام الجديد ذريعة لإنكار حقوق المؤمِّنين، وأشرنا إلى ضرورة أن تتخذ الجهات المختصة وعلى رأسها وزارة التجارة والمالية ومؤسسة النقد الضمانات، اللازمة من وكلاء شركات التأمين القائمة في المملكة إلى أن يتم التأكد من قيام هذه الشركات أو وكلائها بتصفية جميع المطالبات القائمة في مواجهتها لا سيما وأن النظام لم يلغِ اختصاص وزارة التجارة في أي من مواده، إلا أننا فوجئنا أن وضوح الرؤية الذي ساد لأكثر من خمسة عقود انقلب بعد صدور النظام إلى ضبابية وتخبط، ثم غرقنا في ظلام تام بعد صدور اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني التي زادت الطين بلة، ولا عجب في ذلك إذا علمنا أن شركات التأمين التي صالت وجالت خمسة عقود بلا قيود نظامية اللهم إلا من بعض الاجتهادات التي وضعتها أحكام التحكيم، وجدت الفرصة على طبق من ذهب عند دعوتها للمشاركة في وضع النظام ولائحته التنفيذية فكان أن شاركت في إخراج لائحته أشبه ما تكون بالمادة الأكاديمية، مليئة بالتعريفات والمصطلحات الإكتوارية (وخلت من حفظ حقوق المؤمِّنين التي غرقت في بئر ارتوازية ومع ذلك لم يجد الدكتور عبد الإله ساعاتي غضاضة في أن يصف اللائحة التنفيذية للنظام بأنها تجسيد للفكر الوطني المهني الحديث وأكمل من عندي العنوان في إهدار حقوق المؤمِّنين).
ليس من الأمر عجب
عزيزي القارئ، يقول الحق سبحانه وتعالى (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) الرعد، فعقب صدور نظام مراقبة شركات التأمين استبشرنا خيراً لوضع حد للفوضى التي كانت سائدة في هذا النشاط الاقتصادي الحيوي، وظنناً أن الوضع القائم لا سيما المتعلق بمنازعات التأمين مات واندثر وأصبح تراباً، فإذا هو في خلق جديد، فعقب صدور النظام أوعزت وزارة التجارة التي تختص بالفصل في منازعات التأمين إلى جميع فروعها في المملكة بوقف أو تعليق نظر قضايا التأمين المقيدة لديها إلى حين صدور اللائحة التنفيذية للنظام التي بشرتنا الصحف في صدورها أكثر من مرة عقب صدور النظام ثم لاذ الجميع بالصمت، فكتبنا إلى معالي الوزير خطابات وبرقيات نناشده الاستمرار في نظر القضايا القائمة لديه لا سيما وأن من بينها قضايا معلقة لأكثر من خمس سنوات تهدد شركات قائمة بالإفلاس والتصفية، ولكن لا حياة لمن تنادي، ثم فوضنا أمرنا وأمر موكلينا إلى الله وتوجهنا بخطاب إلى وزارتي المالية ومؤسسة النقد مستفسرين عن موعد صدور اللائحة التنفيذية وآلية حل المنازعات فكانت الإجابة بأن اللائحة التنفيذية للنظام لم يتم إعدادها وأن وزارة المالية سبق أن خاطبت مجلس الوزراء بموجب خطاب وزارة المالية رقم 1/ 1136 تاريخ 23/ 1/ 1425هـ، تلمس فيه إمهال الوزارة مدة ستة أشهر إلى أن يتم إعداد اللائحة التنفيذية للنظام، فأيقنا أن شركات التأمين فازت بالجولة الأولى، وأن حقوق المؤمنين على وشك أن تصبح في خبر كان بعد أن دخلت في دهاليز وأنفاق وزارتي المالية والتجارة ومؤسسة النقد.
تمخض الجبل
على الرغم مما سبق لم نيأس من روح الله، فعدنا إلى مخاطبة معالي وزير التجارة شارحين أبعاد قرار تعليق نظر قضايا التأمين وأثرها على بعض الشركات التي أصبحت على شفا حفرة من نار الإفلاس والتصفية، وأن حقوق المواطنين يجب أن لا يتم تعليقها على صدور اللائحة التنفيذية ولكن لا حياة لمن تنادي.
ولكن قبل أن يأتي رد المسؤولين على البرقيات العاجلة التي أرسلناها، فوجئنا بخير مفاده أن معالي وزير التجارة والصناعة أصدر قراراً يقضي بأن تفصل الوزارة نهائياً في المنازعات التي لا تزيد قيمتها على 500 ألف ريال وإحالة المنازعات التي تزيد قيمتها عن ذلك إلى التحكيم، فاستبشرنا خيراً بأن الأمور ستعود إلى نصابها ولكن ما هي إلا سويعات حتى طلعت علينا الصحف بخبر صدور اللائحة التنفيذية للنظام قبل أن تنقضي نصف المهلة التي طلبتها وزارة المالية لإصدار اللائحة، وليس في الأمر عجب فالأمر سيان إذا صدرت اللائحة في جمادى أو رجب.
ما يزيد في الدهشة أن اللائحة لم تكد تصدر حتى بدأت موجة التفسيرات، فالدكتور عبد الإله ساعاتي وهو بالمناسبة خبير تأمين، بعد أن عدد في مقاله مزايا اللائحة التنفيذية، ورد على منتقديها أوضح أن تفسير سعادة مدير التفتيش البنكي والتأمين في مؤسسة النقد الدكتور علي الغيب أن مؤسسة النقد لا تشكل لجان الفصل في منازعات التأمين وإنما وزارة المالية هي التي تشكل اللجان، وقال أيضاً أن ديوان المظالم ينظر في المنازعات، وذلك أو الغيث.
وعلى ذلك فهناك أكثر من جهة تختص بنظر منازعات التأمين، وزارة التجارة وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 1380هـ، وقرارات معالي وزير التجارة الأخيرة، ولجان التحكيم التابعة لوزارة التجارة، ولجان سوف تشكلها وزارة المالية يمثل الادعاء فيها مؤسسة النقد، وأخيراً ديوان المظالم، وفي الأمر سعة والحمد لله فلماذا الدهشة؟ وأين التناقض، فوزارة التجارة علمت في وقت ما من وزارة المالي أنها بصدد إصدار اللائحة التنفيذية للنظام فقررت تعليق نظر القضايا المنظورة لديها حتى تخلق من هذا العبء الذي أثقل كاهلها خمسة عقود، فلما علمت فيما بعد أن اللائحة سيتأخر صدورها قررت أن تعود للعمل بصلاحياتها القديمة ولم تكد تفعل حتى فاجأتها وزارة المالية بإصدار اللائحة التي تجسد الفكر الوطني المهني الحديث الذي لم يكترث كثيراً بالحفظ على حقوق المؤمِّنين.
أما لما علقت وزارة التجارة نظر منازعات التأمين ولمصلحة من؟ فالإجابة حتماً لدى معالي الوزير، وكيف تحولت مهلة الشهور الستة إلى أقل من 45 يوماً، فذلك حتماً من أنباء الغيب وهل سيكون الاختصاص لوزارة التجارة أم لجان وزارة المالية أم ديوان المظالم، فذلك مما يستدعي اللجوء إلى جهة تحكيمية عالمية لاستصدار قرار بشأنه بعد أن تمخض الجبل فولد فأراً.
أين الحقيقة.. يا معالي الوزير.
معالي وزير التجارة والصناعة... اسمح لي بداية أن أوجه لمعاليك هذه البرقية المفتوحة نيابةً عن المتضررين من الأفراد والشركات التي تضررت مصالحهم من قرار تعليق نظر منازعات التأمين، لمصلحة مَن تم تعليق نظر منازعات التأمين.. ولمصلحة مَن يتم تعليق حقوق المواطنين التي هي معلقة أصلاً لسنوات بسبب تناقضات أقل حدة من هذه التي نشهدها الآن؟ وإلى أين يتجه المتضررون من شركات التأمين الآن؟ إلى الوزارة التجارة أم المالية أم مؤسسة النقد لتقوم بدور الادعاء العام...؟، ولماذا لم تبدأ الوزارة في تطبيق قراراكم الأخير وتبدأ في إخراج القضايا المعلقة من الأدراج التي أدخلت فيها؟
ألا تتفق معنا يا معالي الوزير أن الصورة أصبحت أكثر تعقيداً وأن المستفيد الوحيد في خضم هذه المناقصات هو شركات التأمين التي أفرغنا جهدنا لتنظيم أعمالها في ظل لائحة جسدت الفكر الإكتواري الحديث ونسيت أو تناست في زحمة العمل مصلحة المؤمِّن الضعيف الذي لا حول ولا قوة له وتركته في مهب الريح لا يعلم أيتجه شرقاً أي إلى وزارة التجارة أم غرباً إلى وزارة المالية أم شمالاً إلى مؤسسة النقد أم يتجرع خسارته ويشكو الجميع إلى الله؟ نرجو الإجابة وأن لا تجد هذه البرقية طريقها إلى أضابير النسيان بعد أن ضلت برقياتنا السابقة إلى معاليكم والأمر أولاً وأخيراً إلى الله.

محامٍ وكاتب سعودي.


 
نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني
نظام المراقبة سيعزز من صناعة التأمين
نظام مراقبة شركات التأمين يرفع مشاركة قطاع التأمين في الناتج المحلي
مجلس الشورى ينتهي من مناقشة معظم مواد مشروع نظام مراقبة شركات التأمين
إنشاء هيئة متخصصة للرقابة على الشركات ضرورة لتنظيم سوق التأمين
المطالبة بإيجاد هيئة مستقلة تتولى الإشراف على صناعة "التأمين"
مراقبة شركات التأمين خطوة إيجابية وضوابط لحل الخلافات والاحتكام إلى عقود واضحة